محاولة للبحث عن الذات وفهم الوجود والإنسان ومصيره من خلال الفن التشكيلي، هو ما تكابده الفنانة السعودية مريم بوخمسين في تجربتها الجديدة (نظرية كل شيء). والتي تعرض حاليا في (مشق آرت) بمملكة البحرين. مستلهمةً عنوان وموضوع الأعمال البصرية المقدمة من ذلك الجدل الذي لطالما حير علماء الفيزياء الكونية وهم يبحثون عن تلك النظرية الكُلية التي تصلح لجميع النظريات الفيزيائية المعروفة من أجل أن تصاغ في معادلة واحدة. هذه النظرية التي بدأت تتشكل ملامحها كما هو معروف على يد الفيزيائي الشهير ستيفن هوكنج؛ تحاول الفنانة السعودية عبر ما تطرح من موازٍ تشكيلي وبصري، أن تقدم أيضاً قراءتها وفهمها لنظرية كل شيء ولكن من خلال الفن الذي ترى فيه، القدرة على جمع التضاد في فهم العالم. فإذا كان ثمة نفور وتضاد بين الرؤية الدينية والروحانية مع الرؤية العلمية، فإن المقترح الفني والفن الإنساني بشكل أخص قادر على جمع المتضادين. من هنا يمكن تأتي ضرورة معرفة الخلفية البحثية التي أفضت إلى هذه التجربة المثيرة للاهتمام. فمريم بوخمسين، ليس فقط تشكيلية وإنما أيضا قارئة، قادتها مغامرة القراءة لدخول عوالم نظريات الفيزياء الكونية والتي بالضرورة ستجد أنها ستصدم مع المسلمات الروحية والثقافية التي تنتمي إليها، من هنا، كان لابد من بدء البحث ولكن من خلال اللون والخط والنقطة، والمتمثلة في فضاء اللوحة التشكيلية، حيث الفن يعيد إلى الأشياء توازنها كما ترى الفنانة السعودية. هذا التصور النظري للكون ولنظرية كل شيء، سنجد له تجسيدا في فضاء لوحات بوخمسين، فالعديد من الخطوط والأشكال مستوحاة من قواعد كونية وهندسية، تتشكل بجوار مجسمات عضوية وبشرية. حيث اعتمدت التشكيلية السعودية على الجمع والتوفيق بين جماليات الصدفة البشرية ودقة العلم. ولأن موضوع المعرض، يطلب مستوى ما، من الاطلاع على (نظرية كل شيء) فإن الفنانة السعودية، لا تتردد في الشرح ولكن من خلال توسل الشعر، مصدرة بالاشتراك مع الشاعر السعودي محمد خضر، كتاب (نظرية كل شيء) وهي نصوص شعرية، تعد بمثابة الموازي والمرافق الأدبي للمحتوى البصري في المعرض. حيث يقدم الشعر قراءة موازية للتجربة. إذن، ما تحاول بوخمسين القيام به، هو الجمع بين التضادات، من منطلق فني وإنساني، في سعي للمزاوجة بين علم الكونيات والروحانيات الشرقية من أجل اكتشاف الذات والبحث عن إجابة للغز الإنسان الذي لايزال محل مساءلة العلماء والفلاسفة. المعرض شهد أيضا إقامة أمسية حوارية حول الأبعاد الفكرية لما وراء تجربة (نظرية كل شيء)، إلا أنه أثار أيضا مسألة تكرار صورة المرأة بالتحديد بين اللوحات وليس الرجل. وهنا تعلق الفنانة السعودية قائلة: " لا أؤمن أن المرأة حي محور الكون ولا بأفضليتها على الجنس الآخر، أنا مؤمنة بالتكامل بين الجنسين، وأتعجب من مطالبتي بتبرير التعبير عن ذاتي". مضيفة: " إن ما أحاول فعله في لوحاتي هو تناول الإنسان كروح مجردة متماهية مع الكون، لكن بالصورة الأنثوية وهي الصورة التي أرى من خلالها العالم، لكننا ربما نرى تفاصيل الأنوثة وكأنها تحيل المرأة إلى كائن آخر غير الإنسان، لذا أعتقد أن أي حالة من التمييز تحتاج إلى ردة فعل من التمييز المضاد، و ذلك لتحقيق التوازن المطلوب ولتستعيد المرأة موقعها الطبيعي". أما بالنسبة لنصوص محمد خضر فقد عبرت عن الإنسان بصفة عامة، وإن كانت كتبت في أغلبها لتجربة (نظرية كل شيء) وعوالمها التي تتضمن عمق ودقة البحث العلمي وروح المغامرة الفنية. ففي هذه النصوص نقرأ تتمة أيضا لتجربة محمد خضر الشعرية، ولكن في قراءة مغايرة عن المألوف، فالمحتفى به هنا ليس الشعر وحده بل التشكيل أيضا. جدير بالذكر أن المعرض سيستمر حتى نهاية شهر إبريل، على أن ينتقل في عروض أخرى إلى المملكة ومدن خليجية أخرى.