عبدالله بن خميس الحديث عن الشعر الشعبي بسلبية تامّة، أو عن خطورة اللهجة العامية وفسادها حديث قديم ومُستهلك حيث اعتدنا من بعض الأكاديميين إقحامه في أحاديثهم وكتاباتهم لإثبات مدى إخلاصهم للغة العربية الفصحى ودفاعهم عنها، وقد رأينا هذا الإقحام من الدكتور عبدالرزاق الصاعدي في نهاية الجزء الأول من مقاله: (هل يصح التفاضل بين اللغات؟) ورأينا حضور هذا الحديث أيضاً في السجال الذي دار بينه وبين الدكتور حمزة المزيني في تويتر قبل فتره على هامش ما كُتب في المقال. المزيني: العاميات تشترك في نحوها وصرفها مع الفصحى أبرز ما يمكن ملاحظته على حوار الأستاذين الكريمين حول مسألة العامية تحديداً انطلاقه برأي صريح من الصاعدي أشعر المتابع بأن الحوار سيتجه نحو طريق مسدود، فحين اعترض المزيني على ما كُتب في المقال عن "ركاكة" نحو العامية وصرفها، وذكر أن "العاميات تشترك في نحوها وصرفها مع الفصحى بأكثر من 80%". أصرّ الصاعدي على ما كتبه واتّهم كل من يخالفه بأنه "صاحب هوى يحاول أن يخفيه". وطالب مخالفيه بالرجوع إلى كتابين أحدهما الكتاب المعروف (الفصحى ونظرية الفكر العامي) للدكتور مرزوق بن تنباك، وعندما أوضح المزيني أن الكتاب لا يتحدث عن "النظام اللغوي للعامية بل عن الانتشار المَرَضي للثقافة العامية"، وقال: "يبدو أنك قرأته قديماً". ردّ عليه: "كان يوازن بين الفصحى ونظرية الفكر العامي أعد قراءته واقرأ معه كتاب نفّوسة زكريا فقد تتراجع عن دفاعك عن العامية"! أعتقد أن الصاعدي بدأ حواره مع المزيني عن العامية بتوجه واضح يتمثل في اتهام خصمه بالدفاع عن العامية مع أنه لم يفعل ذلك، ولا يوجد في كلامه ما يدعو لهذا الاتهام، وأظن أنه لجأ لهذه المغالطة للخروج من مأزق اكتشاف خصمه عدم دقّة ما ذكره عن محتوى الكتاب، فمحور اهتمام كتاب ابن تنباك لم يكن الموازنة بين الفصحى والعامية، صحيح أن فيه إشارات سريعة توضح الاختلاف بين نظامي الشعر الفصيح والشعر الشعبي أو العامي، وهي إشارات منقولة عن الشيخ عبدالله بن خميس (ت1432ه) رحمه الله، لكنه ركّز بشكل أساسي على مسألة المبالغة في العناية بالعامية في العالم العربي والجزيرة العربية. ولم يكتف الصاعدي بهذه المغالطة فقط، بل حاول إيهام المتابعين - الذين يتضح وقوف معظمهم في صفه - بأن خصمه هو الذي يحتاج لمراجعة محتوى الكتاب! ومن المفارقات أنّه لا يستخدم في موقفه من العامية ومن الشعر الشعبي لغةً علمية مُنصفة أو قريبة من الإنصاف كاللغة التي استخدمها ابن تنباك في الكتاب الذي يدعو خصمه لمراجعته، فعلى سبيل المثال لا نجد في الكتاب المشار إليه عبارات مبالغ فيها كعبارة: "إذا قرأت الشعر الشعبي واعتاده لسانك فإنك تجد صعوبة في قراءة الشعر الفصيح، كمن يرتقي جبلاً". بل نجد المؤلف يعرض موقفه الرافض للاهتمام بالعامية بتفصيل ووضوح، ولا يجد أدنى حرج في الاستشهاد بالشعر الشعبي - بما يخدم هدفه - واستحسان الجيد منه، مع تأكيد تفضيل الشعر الفصيح عليه، وكل ذلك بلغة متوازنة وبعيدة - إلى حدٍ كبير - عن التطرف والمبالغات التي لا أرى بأنها لائقة حين تصدر من أستاذ جامعي. وكان من الأنسب لو استخدم الدكتور الصاعدي أسلوباً أفضل وأكثر إقناعاً بدلاً من أسلوب المبالغة والتهويل. الصاعدي: كل من يخالفني صاحب هوى رغم إعجابي ببعض كتابات المزيني والصاعدي إلا أنّني لا أتردّد في التصريح بأنني لم أجد فائدة تُذكر في الحوار الذي دار بينهما عن موضوع العامية، فالحوار كما وصفه الصاعدي نفسه: حوارٌ "عقيم"، ويمكن القول: إن عناصره باختصار هي: (اتهامات مُتبادلة+ تشتُت + سطحية+ عجز عن إثبات الحجج)، فمنذ البداية يعجز الصاعدي عن الرد على خصمه حين طالبه بالإتيان باسم بحث لغوي علمي واحد "يبيّن دعوى ركاكة نحو العامية"، وفي الجانب الآخر لا يذكر لنا المزيني ما هو مصدره في أن "العاميات تشترك في نحوها وصرفها مع الفصحى بأكثر من 80%"؟!. أخيراً أعتقد أنّ القارئ لن يجد إضافات جديدة أو مفيدة تتعلق بموضوع اللهجة العامية إلا في كتابات الباحثين الذين منحوا هذا الموضوع زهرة شبابهم والجهد الذي يستحقه، وتجرّدوا قبل البحث فيه من التعصب والمواقف المسبقة، ومن بين أولئك الباحثين الدكتور سعد الصويان الذي ننتظر نتائج مشروعه القادم عن "قواعد اللهجة"، فقد ذكر في لقاء تلفزيوني قريب أن مشروعه يهدف لإثبات أن اللهجة ليست فوضى وبلا نظام كما يعتقد كثير من الناس، وورد في كلامه عن مشروع تقعيد اللهجة عبارات جميلة أرى مُناسبتها للخروج من هذا الموضوع. يقول الصويان: "لا يوجد على الأرض وفي هذا الكون شيء ليس له نظام، كل شيء له نظام، خصوصاً السلوك الإنساني، كونك لا تعرف القاعدة لا يعني أن القاعدة مفقودة، فقط أنت تجهل القاعدة"!. د. عبدالرزاق الصاعدي د. حمزة المزيني د. سعد الصويان د. مرزوق بن تنباك