زواج المعوقين واحدة من القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تثير الجدل بين فئات المجتمع كمعوقين وأسر وأقارب، وفرضت نفسها بقوة وإصرار في المجتمع، فإذا كانت الظروف المختلفة قد وقفت في وجه العديد من المعوقين لتحقيق سعادتهم واستقرارهم في تكوين أسرة ناجحة إلا أن الكثير منهم تغلب على هذه الآلام والظروف ونجحوا في حياتهم الزوجية ونالوا حظهم من السعادة والاستقرار، ولكن تبقى نظرة المجتمع هي العائق الأول التي تواجه زواجهم، فهل يقبل الأصحاء الزواج من المعوقين؟ وكيف يمارس المعوق حياته الزوجية ومسؤوليته نحو شريكه وأبنائه؟ وما هي الصعوبات التي تواجه المعوق في حياته الزوجية؟ رفض الأسر يؤكد عبدالرحمن العنزي - موظف إداري في أحد المحاكم ويعاني إعاقة حركية - أن إعاقته لا تقف أمام قيامه بواجباته في خدمة الجمهور، رغم الصعوبات التي تواجهه في العمل، حيث إنه يعمل في المحاكم منذ العام 2009، وتقتضي مهام العنزي في مقابلة الجمهور، وتسجيل الملفات، وتجهيز الإعلانات للأطراف المتخاصمة، وإرسالها إلى التدقيق. نظرة المجتمع الإيجابية كفيلة ببناء الأمل للمعوق لينطلق في حياة زوجية سعيدة ويضيف: هناك صعوبات تواجهني مع المراجعين المتحدثين بلغات مختلفة، لكنني أحاول دائما فهم ماذا يريدون، وفيما يتعلق بالصعيد العملي، فلا أجد أي صعوبة. تنقل العنزي في عدة وظائف في المحاكم، منها الأرشيف وخدمة الجمهور، حيث يشير إلى أن المعوقين قادرون على العمل بكفاءة في مختلف القطاعات، وأنه يجب على المسؤولين عدم إشعاره بأنه ناقص عن بقية الموظفين، مطالباً المؤسسات والوزارات بالاهتمام بالمعوقين لأنهم قادرون على تنفيذ عدة وظائف بفعالية، وإحداث تغييرات مهمة في آليات سير العمل، وهو حاصل على شهادة الثانوية العامة، ويرغب في إكمال دراسته إما في العلاقات العامة، وإما في برمجة الكمبيوتر، ويتخوف من الإقدام على خطوة الزواج بسبب رفض الأسر له لإعاقته الحركية، ويتطلع للزواج من إحدى المعاقات - إعاقة سمعية - لتعينه في افتتاح بيت الزوجية وإنجاب الأبناء ومشاركته مسؤولية البيت. حياتنا طبيعية دانة العمري - 35 سنة - تعاني وزوجها أيضا من إعاقة حركية "شلل أطفال" ولديهما ابنة سليمة، تعمل دانة معلمة في دار التأهيل للأطفال، وتقول: كوني وزوجي من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يعني أننا لا نمارس حياتنا الزوجية بشكل طبيعي كالأصحاء وأكثر وقد تصادفنا مشكلة صغيرة من هنا وهناك لكننا نستطيع مواجهتها وحلها بالتعاون معا، صحيح أننا نسكن في الطابق الثاني من بيت أهل زوجي إلا أننا نعتمد على أنفسنا بشكل كبير في غسيل الملابس وفي الطبخ ولم أشعر يوماً أن الإعاقة التي أعاني منها قيدتني في تدبير شؤون بيتي وحياتي الزوجية. وتضيف: عندما كنت حاملاً لم تقف الإعاقة عثرة في تحمل الجنين على العكس كنت فرحة جداً في هذه الهبة التي رزقنا الله بها، لكن المجتمع للأسف ينظر للمعوق نظرة دونية ولا يتقبل فكرة زواجه، ولكن الإنسان الطبيعي قد يتزوج ويتعرض لحادث فيصبح معوقا فهل تنتهي الحياة إلى هذا الحد؟ كثير منهم مستمرون رغم الإعاقة فالإنسان القادر على العطاء سيعطي سواء معوق أو غير معوق. نظرة مزعجة ويرى فهد المالكي - معوق بصريا ومتزوج من 10 سنوات ولديه ثلاثة أبناء - بأن المعوق لديه القدرة الكاملة على ممارسة حياته الزوجية، مضيفاً: هناك حقوق وواجبات تعتمد على عدة عوامل أولها طبيعة المعوق نفسه وشخصيته ومدى اندماجه في المجتمع ومدى سلوكياته ونوعها وتأقلمه مع الآخرين وتفاعله مع إعاقته، وهذه الأمور كلها تنعكس على شخصية المعوق سواء بالإيجاب أو بالسلب، فطالما البيئة التي يعيش فيها المعوق مهيأة وأعطته الحق في الزواج، ووفرت له الاحتياجات الأساسية من وظيفة وسكن مريح ومهيأ وأثبت قدرته وجدراته في قيادة الأسرة فمن الطبيعي أن يكون هذا الزواج ناجح ويمارس حياته بشكل طبيعي والدليل على ذلك نجاح الكثيرين الذين كانوا ينتمون إلى أب أو أم معوقة استطاعوا شق طريقهم في الحياة وشكلوا نماذج ناجحة يحتذى بها. وعن الصعوبات التي تواجهه في حياته الزوجية يوضح المالكي: الصعوبات تتفاوت نسبيا من معوق لآخر وهذا يعتمد أساسا على الشخص المعوق وهل هو مدرك ولديه حس وإدراك بالمسؤولية كزوج ورب أسرة، وبالتأكيد سينعكس هذا في معاملته واتصالاته مع الأسرة، مضيفاً: بالطبع تكون البداية صعبة جداً خاصة أن المعوق بصرياً لا يستطيع قيادة السيارة ويحتاج إلى من يساعده سواء من الأهل أو الزوجة أو البناء عندما يكبرون، أما الأصدقاء فكل حسب تفرغه، وهذا ما عانيت منه كثيراً بداية زواجي ولكن لتفهم زوجتي ودعمها المستمر لي في خصوص التنقل والحركة ولما كبر أولادي أصبحت أكثر اندماجا وسريع الحركة في المنطقة وعندما أتجول في السوق لشراء الأغراض. ويلفت المالكي أن مشكلة المعوق الأولى عندما يقرر الزواج هو رفض ومعارضة أهل الفتاة لارتباط ابنتهم لإنسان معوق وعدم موافقة الفتاة نفسها خوفا من نظرات الناس والسخرية من قبل المجتمع لهذا يلاقي الصد والرفض من الأهل. صعوبات وعقبات حول نجاح زواج ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول جواهر الحليبي - مختصة بعلم النفس -: أي حياة زوجية لابد من وجود مشاكل سواء للإنسان الطبيعي أو المعوق، أما بالنسبة للمعوق فبالتأكيد سيلاقي صعوبة ومشاكل في الزواج كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الحياة الانتقالية من العزوبية والاعتماد على النفس إلى احتضان أسرة وتحقيق الذات، لكن هذا لا يعني أن المعوق غير قادر على الزواج وتكوين أسرة بل العكس فكثير من الأصحاء هم غير قادرين أو غير مؤهلين للزواج. وعن ما يواجهه ذوي الاحتياجات الخاصة من صعوبات في الزواج، توضح الحليبي: لا ننسى أن المعوق عندما يقرر الزواج فهو يصارع جبهتين طرفها الأول المجتمع ونظرته في نجاح التجربة والطرف الآخر نفس المعوق هل هو مستعد لتكوين أسرة وتحمل مسؤولية أشخاص آخرين؟ فكل هذه تحديات تجعل الإنسان ينجح أو يفشل بسبب الصراعات الداخلية بينه وبين نفسه. وتنصح الحليبي المعوق قبل أن يقدم على خطوة الزواج أن يكسب قاعدة قوية من خلال كسب أسرته لأنها هي الأساس التي ستقف معه بالإضافة إلى أنه لابد من الاختيار السليم للإنسان الذي سيواصل معه مشوار حياته ويؤمن به وبشخصيته، وعند السكن لابد من الحرص على السكن بالقرب من الأهل ليقفوا مع المعوق وأسرته عند الحاجة. ينبغي ألا تكون نظرة البعض لحق المعوق في الزواج قاصرة الزواج حق شرعي وطبيعي لذوي الإعاقة