التحديات التي تواجه مكافحة الإرهاب ستبدو خلال المرحلة المقبلة أشد وأصعب، وربما أكثر إيلاماً؛ لأسباب كثيرة أهمها محاصرة التنظيمات والجماعات الإرهابية في العراق وسورية وليبيا واليمن على الأرض، ومحاولة هذه التنظيمات وعلى رأسها "داعش" تحقيق انتصارات معنوية بضرب مواقع واستهداف أبرياء في أكثر من مكان، إلى جانب تحريكها من دول داعمة للإرهاب لتحقيق مصالح إقليمية في محاولة يائسة وأخيرة لفك الحصار السياسي عنها، والسعي إلى ترتيب أولويات المنطقة على أساس مكافحة الإرهاب وليس معاقبة الأنظمة المستبدة التي تسببت في الأزمة، وأولها إيران والنظام السوري. الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات في سورية منعطف مهم في الحرب على الإرهاب، واقتلاع جذوره المسكوت عنها منذ سنوات، حيث لا يمكن أن نتحدث عن تحالف دولي للحرب على "داعش" ونتجاهل المستفيد الأول من وجوده، ولا يمكن هزيمته والأزمة السورية قائمة، وبالتالي كانت الردود الأولية على الضربة الأميركية هو تحريك الإرهاب الأجير؛ لإعادة حسابات أميركا في المنطقة، والإبقاء على إستراتيجيتها في الحرب على الإرهاب دون أن تتمدد لتقطع الطريق على مصالح إقليمية ودولية من بقاء نظام بشار الأسد، أو تحويل الصراع مع "داعش" إلى رأس النظام وحليفه الإيراني. ما جرى في مصر من تفجيري كنيسة مارجرجس بمدينة طنطا، ومحيط الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وسقوط ضحايا ومصابين في مناسبة دينية للأقباط المسيحيين؛ هو بداية تصعيد الإرهاب الداعشي لمهمات خارج حدود مواجهته في سورية والعراق وليبيا، وبالتالي كان اختيار مصر لمبررات التأثير على موقفها السياسي من أحداث المنطقة، والإبقاء على حياديته في الأزمة السورية، وعدم الارتهان للمطالب الأميركية بعد الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن، كذلك تعزيز الموقف الرسمي المصري من الحرب على الإرهاب وليس الموقف من النظام السوري. الرئيس المصري الذي خاطب شعبه متأثراً بما حصل كان واضحاً في ضرورة محاسبة الدول التي دعمت الإرهاب وساهمت في تكوينه وتركت الآخرين يدفعون ثمنه، ونحن متفقون معه، ولكنه لم يغيّر موقفه ضد هذه الدول، وهما تحديداً إيران وبشار الأسد، وكان آخرها الموقف المصري من أحداث خان شيخون! نحن على ثقة من أن الرئيس السيسي وحكومته والشعب المصري سوف يتجاوزون أزمة الإرهاب، ويخرجون بمصر أقوى، وأكثر وحدة وتلاحماً بين مسلميها ومسيحييها، ولن تتحقق أهداف الإرهاب الأجير على أرض مصر مهما كانت مبرراته، أو مواقفه، أو مصالحه؛ لأن مصر أرضاً وإنساناً ستبقى أمينة على قضايا الأمة، ومصدراً لقوتها، وأيضاً لعروبتها التي ترى فيها أرضاً للمحبة والسلام والتعايش.