د. سعد بن سعيد القرني* كلنا فخر بمملكتنا الغالية مهبط الوحي، وقبلة المسلمين الذي تسعى قيادته الرشيدة لحماية الشباب من خطر الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية، ومما يدل على ذلك رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لمؤتمر (واجب الجامعات السعودية وأثرها في حماية الشباب من خطر الجماعات والأحزاب والانحراف) الذي تنظمه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال الفترة 14-15/8/1438ه. والمملكة العربية السعودية تهدف من إقامة هذا المؤتمر في هذا الوقت بالذات للتركيز على الجانب التعليمي والتربوي الجامعي لتوعية وتثقيف الشباب وحمايتهم من خطر الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية، والتركيز على الأبحاث العلمية التي تلامس هذه المشكلة وطرق علاجها. ومن هذا المنطلق سيركز هذا المقال على الجوانب التاريخية لنشأة الانحرافات الفكرية للجماعات والأحزاب، وتأثيرها في الأحزاب والجماعات المعاصرة. فقد نشأة أول الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية في تاريخ الإسلام بالمدينة المنورة، على يد عبدالله بن أُبيّ ابنُ سَلُولَ الذي أظهر الإسلام نفاقاً هو وحزبه لمحاولة تفريق المسلمين، من خلال ما يبثه من شبهات، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد كيده، وما يبثه من شبهات، ويصبر عليه، خشية أن يُقال : إن محمداً يقتل أصحابه. وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، نشأ الحزب الثاني على يد عبدالله بن سبأ اليهودي، الذي أظهر الإسلام، لكنه كان يكيد اجتماع كلمة المسلمين على الخليفة عثمان بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب، لذلك سعى لتفريقهم بالفتنة، واجتمع حوله أناس من الجهلة، الأمر الذي أدى إلى محاصرة الخليفة عثمان في بيته وقُتِله. وفي زمن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب نشأة فرقة الخوارج، بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي، واجتمعوا يوم النهروان، فأمر علي أصحابه بقتالهم، عملا بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال : «لئن أدركتهم لا قتلنهم قتل عاد» فقتلهم علي بن أبي طالب، ولم يبق منهم إلا القليل. ثم نشأت بعد ذلك العديد من الجماعات والأحزاب والفرق المنحرفة عبر العصور الإسلامية المختلفة، كالمرجئة، والشيعة، والمعتزلة، وغيرها، حتى رأينا تأثيرها في الجماعات والأحزاب والفرق المعاصرة المنحرفة، كالإخوان المسلمين والتبليغ والجهاد والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات التي تمتطي الدين وهو منها براء لتحقيق أهدافها المكشوفة. وفي العهد الميمون للدولة السعودية الأولى ذكر بعض المؤرخين أن اتفاق الدرعية في القرن الثاني عشر الهجري بين الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي نص على نصرة التوحيد والسنة، ومحاربة الأهواء والبدع المضلة، جعل أهل الأهواء والأحزاب والفرق والجماعات يرسلون الرسائل لأهل اليمن، ولأهل الشام، ولأهل مصر، ولأهل الحجاز، وغيرها من البلدان، يُحَرّضونهم على دعوة والشيخ محمد بن عبدالوهاب، حتى أن بعضهم كاتب الخليفة العثماني يطلب منه الفتك بهذا الرجل ودعوته، الأمر الذي أدى إلى تجييش الجيوش حتى وصلت إلى نجد، وحاصرت الدرعية سنة 1233ه لمدة ثمانية أشهر حيث سقطت على أثرها الدولة السعودية الأولى، وعادت الأهواء والبدع مرة ثانية، حتى قامت الدولة السعودية الثانية، على يد الإمام تركي بن عبدالله الذي استمر وأبناؤه على نهج الإسلام ونصرة أهل السنة والجماعة. وفي إطار الفكر السلفي الذي انبثقت عنه الدولة السعودية الأولى والثانية، نهج الملك المؤسس عبدالعزيز نهج أسلافه، كما سار أبناؤه البررة الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبدالله وصولاً إلى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على نهج أهل السنة والجماعة ومحاربة الجماعات والأحزاب والفرق المنحرفة والمتطرفة.. ومما لاشك فيه أن بلدنا الغالي المملكة العربية السعودية، قد شهد محاولات يائسة من أصحاب الفرق والجماعات والأحزاب، التي تبث الشبه بين الشباب من خلال استغلالها للتنظيمات الدعوية والتربوية، لضم الشباب إلى فكرهم ومنهجهم وعقيدتهم وإسقاط من يخالفهم، أو يحذر منهم، بأمور يخدعون بها الشباب، ويُلبسون بها على العامة، حيث استخدموا المنهج الخفي الذي يقوم على عدة أمور من أهمها: إخفاء محاسن ولاة الأمر، وإظهار معايب ولاة الأمر، والتشهير بهم على المنابر، وتبني جراحات المسلمين، سب كبار العلماء ومنهجهم، وإعلاء قيمة من يسير على طريقتهم في السب والقدح بولاة الأمر والعلماء الذين طاعتهم طاعة لله. بناءً على تقدم من رصد تاريخي فإن الواجب المنوط بالجامعات السعودية هو توعية وتثقيف طلابها وطالباتها من الأحزاب والجماعات التكفيرية المتطرفة والمنحرفة. وأعمالها الإرهابية التخريبية، وخطرها على لحمة المجتمع ووحدة صفّه. وتبيان مفهوم الخروج على ولاة الأمر وخطره وآثاره السيئة على المجتمع السعودي، واللحمة الوطنية. خاصة وأن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً كبيراً في مكافحة الإرهاب والأفكار المنحرفة عقائدياً وفكرياً على المستوى المحلي والإقليمي والعربي والإسلامي والدولي، وجهودها في جمع كلمة المسلمين. والحق يقال إن جهود جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومديرها معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل، واضحة في تنبيه المجتمع والشباب من الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية، وتعريف الشباب السعودي بواجبهم الشرعي نحو وطنهم وولاة أمرهم ومجتمعهم. * عميد معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية د. سعد بن سعيد القرني