هناك فرق كبير بين التوكل والتواكل.. فرق جذري وخطير لا يدركه كثير من الناس.. فالتوكل شرعا؛ هو الثقة بالله والاعتماد عليه في تحقيق المصالح ودفع المضار بعد أخذ الأسباب المحققة لذلك.. أما التواكل؛ فهو ادعاء التوكل دون الأخذ بالأسباب -وبالتالي- الخنوع والكسل والاستسلام تحت هذه الحجة.. التوكل من صفات المؤمنين العاملين (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) في حين أن "التواكل" من صفات الفاشلين أو العاجزين الذين يتمنون على الله الأماني.. حين تشارف السفينة على الغرق يسارع المتوكلون إلى إنزال القوارب ولبس وسائل الإنقاذ، فيلجأ المتواكلون إلى الدعاء أو الاستسلام مدركين عجزهم عن التصرف.. كان نبي الله نوح خير المتوكلين ومع ذلك صنع مركبا يحمي من الغرق المؤمنين بالله.. وفي المقابل هناك قصة الراهب المتعبد الذي كان تواكله سببا في موته.. فذات يوم هطلت الأمطار بغزارة فغرق الوادي ولم يستطع النجاة إلا من كان معه قارب.. مر به جيرانه لينقذوه فقال لهم الراهب: "لا أحتاج لقارب، الله سينقذني بفضله".. ثم مر عليه أناس آخرون لينقذوه فقال لهم نفس الكلام "لا أحتاج لقارب، الله سينقذني بفضله".. ثم مر عليه ثالث ورابع وخامس فقال لهم نفس الكلام.. وبعد انتهاء الطوفان عاد الناس لتفقد بيوتهم فوجدوا الراهب ميتا فوق سجادته فتساءلوا لماذا لم ينقذه الله وهو من أوليائه الصالحين؟.. ثار الجدل بينهم لدرجة أنكر بعضهم وجود الله ولكن طفلا بريئا نبههم بقوله: الله أنقذه خمس مرات ولكنه رفض النجاة بنفسه!! وكي تكون متوكلا (وليس متواكلاً) يجب أن تغير طريقة تفكيرك وتدرك بأن الله خلقنا في عالم مادي يملك أسبابا ونتائج يمكن التعبير عنها بلغة رياضية دقيقة.. يجب أن تدرك بأن الله لا يساعدنا بطرق خارقة أو مناقضة لقوانين الطبيعية، بل من خلال الأخذ بالأسباب والقوى المادية بدليل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل).. أمر مريم (وهي تعاني من آلام الوضع) بأن تهز جذع النخلة في حين كان يمكنه -سبحانه وتعالى- أن يسقط عليها الرطب دون الحاجة لتكليف امرأة ضعيفة بهز جذع صلب.. ستنال مساعدته حين تبادر للعمل وتبدأ بأول خطوة (فمن تقرب له شبرا تقرب له ذراعا، ومن تقرب له ذراعا تقرب له باعا).. وبدون شك؛ ما يصدق على الأفراد يصدق أيضا على الأمم والأوطان.. فعصرنا الحالي ينقسم بين أمم متفوقة أخذت بأسباب القوة والتصنيع والعلم التطبيقي المفيد.. وأمم أخرى جنحت إلى التواكل (بحجة التوكل) وفضلت العيش عالة على غيرها أو منتظرة حسنات السماء.. رغم علمها بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..