لا يوجد رجل دين اشتغل بالسياسة أو أسس حزبا وترأسه إلا وكان متطرفا أو طائفيا، فرجل الدين لا يكون محصنا من الهوى والمصالح والفتن إلا بابتعاده عن مكائد السياسة، فشيخ الدين عندما يعمل بالسياسة يحكم على سلوكه بدهاء السياسة ومراوغتها لا بطهارة الدين ونقائه. فالتطرف في الدين دائما ما يكون وراءه دوافع سياسية يخفيها رجل الدين بزهد وورع شكلي يفضح ما طلب ستره. مقتدى الصدر رجل دين يعمل في السياسة وللسياسة، قدم نداء لبشار الأسد يطلب منه التنحي من أجل حماية سوريا، هل صدمت هذه الدعوة الأسد الذي منح المرجع الديني مقتدى الصدر وسام الجمهورية في عام 2012 -وهو أعلى وسام في سوريا- على ما قدمه للنظام من دعم في مواجهة الثوار السوريين.. دعوة مقتدى الصدر من الناحية الدينية صادقة ومن الناحية السياسية ذكية، فشيخ الدين السياسي يعرف بدهاء سياسي أن أيام بشار الأسد في الحكم باتت معدودة، فجاءت دعوته من أجل حماية لبعض المكاسب الطائفية التي تحققت في سوريا، وهذا أمر طبيعي في السياسة، فالسياسي الذي لا يستطيع أن يكسب كل شيء عليه ألا يخسر كل شيء.. مقتدى الصدر يرى في نفسه وكذلك أتباعه يرون بأنه مسؤول دينيا وتاريخيا عن المذهب الذي يمثله، وهذا المكون الديني يرى وضعه اليوم تحت نيران الخطر، ولا سبيل للحماية إلا بالتضحية في بعض الثوابت السياسية، فوجود بشار الأسد في الحكم أضحى خطره على مذهب الملالي كبيرا، والسيد مقتدى له تجربة في العراق مماثلة في بعض جوانبها للوضع في سوريا، فتطرف نوري المالكي ودكتاتوريته كادت أن تشغل نار الصراع بين أتباع مذهبه، وتقضي على شرعية المذهب وقدرته على تحقيق توازن وطني مقبول لدى الطوائف الأخرى.. نداء مقتدى الصدر يعد مؤشرا واقعيا على أن نظام بشار الأسد انتهى، وأن المطلوب استبداله بشخص يمثل المذهب ويكون مقبولا وطنيا، أو استبداله بمصالحة وطنية تقر بالمكاسب المذهبية ولا تنقلب عليها، فهل يستجيب بشار الأسد لدعوة التنحي؟ ويحافظ على المكاسب الطائفية، أم يعاند وتتم إزالته بالقوة وتحرق جميع المكاسب التي حققها داعموه؟ زوال بشار قريبا حقيقة، ولكن كيف؟ هو ما سيحدد مستقبل سوريا واستقرارها، فرجل الدين عندما يفتي في الصراع السياسي فانتظر ميلاد صراع آخر.