يُعد الإرهاب ظاهرة عالمية خطيرة تهدد أمن واستقرار المجتمع بأكمله، وتكمن خطورته الكبرى في قدرته على تخدير وغسل أدمغة بعض الشباب، خاصةً من لا يملكون حصانة دينية وفكرية ونفسية، ممَّا يجعلهم يعيشون في غياهب الحقد والكراهية وممارسة العنف، ومما لاشك فيه أنَّ الهاجس الأمني لم يعد مسؤولية رجال الأمن وحدهم، بل إنَّه من الواجب أن يتعاون المجتمع بأفراده ومؤسساته العلمية والعملية ومراكزه الفكرية والدعوية، في محاربة هذه الآفة ومواجهتها أمنياً وفكرياً وإعلامياً وعسكرياً، للوقوف في وجه كل من تُسوّل له نفسه العبث بوحدة المجتمع ومكتسباته. وشدَّد عدد من الأكادميين على أهمية دور الجامعات السعودية في مواجهة آفة الإرهاب، وتوعية الشباب وحمايتهم من الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية، وكذلك توعية المجتمع من الأفكار الضالة، وخطر التكفير والإلحاد، والخروج على ولاة الأمور. دور الجامعات وأوضح د.عمر العمر -عميد مركز دراسة الطالبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أنَّ من أواخر المؤتمرات الذي ستنظمها الجامعة في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه، مؤتمر "واجب الجامعات السعودية وأثرها في حماية الشباب من الجماعات والأحزاب والانحراف"، الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيَّده الله-، مُضيفاً أنَّ المؤتمر يهدف إلى تعزيز دور الجامعات السعودية في توعية الشباب السعودي وحمايتهم من الجماعات والأحزاب والانحرافات الفكرية، وكذلك توعية المجتمع من الأفكار الضالة، وخطر التكفير والإلحاد والخروج على ولاة الأمور، وغير ذلك من الأهداف السامية لهذا المؤتمر. وأشار إلى أنَّ لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقيادة مديرها د. سليمان بن عبدالله أبا الخليل دور فاعل وكبير في مواجهة آفة الإرهاب، من خلال كلياتها ومعاهدها العلمية، ومراكزها، وكراسي البحث، وما تنظمه من مؤتمرات وندوات وملتقيات، مُضيفاً أنَّ القاصي والداني شهد للجامعة بهذا التميز الفريد الذي وضح أثره بوجود حصانة فكرية قوية تحمي أبناء وبنات الوطن من التأثر بالتنظيمات الإرهابية، وممن يقف وراءها من دعاة الفتنة والضلال. شراكة حقيقية وأضاف د.العمر أنَّ الجامعة تتميز بالعمل المؤسسي والجماعي في تحقيق أهدافها ورسالتها، ومن ذلك الشراكة الحقيقية بين جميع منسوبيها من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والموظفات والطلاب والطالبات في استشعار المسؤولية الشرعية والوطنية في مواجهة خطر الإرهاب، وكذلك الوقوف صفاً واحداً مع ولاة أمورنا وعلمائنا ورجال أمننا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ودعاة الفتنة والسوء، الذين يحاولون بث سمومهم بين أفراد المجتمع، لاسيما الطلاب والطالبات. وأكَّد على أنَّ للجامعة دور كبير جداً في محاربة الإرهاب منذ عدة سنوات، عبر مجالات كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها تفعيل مدير الجامعة لوحدة التوعية الفكرية، كوحدة رئيسة تشرف على المناشط والفعاليات والبرامج، التي لها علاقة بالأمن الفكرين ومواجهة الدعايات المضللة من جماعات التفكير والتطرف. وبيَّن أنَّ مخرجات هذه الوحدة تكون من خلال تفاعل وتكافل كافة الوحدات في الجامعة تصب في حماية أبنائنا وبناتنا من أفكار جماعات الغلو والتطرف، التي تنتهج الغلو والتكفير، وتنتهي بالفساد والدمار، وذلك استناداً على خبرة الجامعة في هذا الإطار، التي تسعى جاهدة في بناء جيل آمن، تحمل في رسالتها الهادفة إلى توعية مجتمع الجامعة وتجريده من أفكار التطرف والانحرافات الفكرية، والتمسك بمنهج الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح. كراسٍ علمية وقال أ.د.صالح الدوسي -أستاذ الدراسات العليا بجامعة جدة-: "لا شك أنَّ الجامعات تتفاعل مع موضوع الإرهاب الفكري، ولا شك أنَّ لها دور واضح من خلال ما تقدم في العملية التدريسية، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، فالأساتذة في موضوعاتهم الدراسية متى ما وجدوا فرصة لربط المادة العلمية والموضوعات بالتطرف الفكري ومحاربته لا يترددون، كما أنَّهم يوجهون عدد كبير من الأبحاث العلمية إلى معالجة الإرهاب الفكري، وموضوعات الأمن الفكري والتطرف". وأضاف أنَّ ذلك يكون بشكل واضح في التخصصات الأدبية والإنسانية، وكذلك ما يكون في خدمة المجتمع من ندوات وحضور دورات، موضحاً أنَّها جميعاً تعزز الفكر الوسطي ونبذ العنف والتطرف، مُبيِّناً أنَّ هناك كراسٍ علمية خُصصت لمحاربة الغلو والإرهاب والتطرف، إذ أنَّ لهذه الكراسي ميزانيات ضخمة وأجندة علمية رفيعة المستوى، من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمطبوعات والأبحاث العلمية، لافتاً إلى أنَّ ذلك لايعني وصول الجامعات للكمال في تقديم الموضوع من كل جوانبه بصوره كاملة، إذ ما يزال الأمر يحتاج للمزيد. ولفت إلى أنَّ المحرك الأول هنا هو قناعة كل أستاذ جامعي بأنَّ الأمر حق شرعي ووطني وعلمي، محملاً الأستاذ الجامعي المسؤولية، وقال: "في ذمة كل أستاذ أن يبين للطلاب مزالق ومخاطر الغلو والإرهاب الفكري، ومتى ما اقتنع الأستاذ الجامعي بذلك، فإنَّه سيُسخر إمكاناته في التدريس، والبحث العلمي، وفي خدمة المجتمع، وكذلك اللقاءات والمنتديات والمحاضرات لتكريس مفهوم الوسطية والأمن الفكري ومحاربة الغلو والتطرف. حملات توعوية وأكدت د.فوزية أبو خالد –عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإجتماعية- على أنَّه من الطبيعي أن يكون للجامعات السعودية دور هام في مقاومة الإرهاب بعدة أشكال، وعلى عدة مستويات، وأن يكون هناك حملات توعوية بين الطلاب والطالبات والطلاب، مُضيفةً أنَّ ذلك هو أضعف الإيمان، إلى جانب أهمية أن يكون هناك تخصيص مقررات دراسية في العلوم الاجتماعية، لتفكيك ظاهرة الإرهاب نظرياً وميدانياً بتحليلها وتحليل أمثلتها تحليلاً موضوعياً، وبشكل علمي. وأضافت أنَّ هناك أيضاً أبحاث تساؤلية عن الارهاب، وعن اسبابه، وعن المسؤولية السياسية والاجتماعية والفكرية فيه، وأبحاث للكشف عن ما حدث منه، ولقراءة احتمالاته قراءة تنبؤية، تحتاط بمقتضاها الأوطان منه، كما أنَّ هناك أبحاثا لدراسة كيفية مقاومة الإرهاب ميدانياً وفكراً وثقافة، مُشيرةً إلى أنَّ الجامعات مسؤولة عن تنظيم الندوات والمؤتمرات العالمية للبحث وتبادل الحوارات القائمة على مناهج تحليلية، لفهم الإرهاب والتصدي له. مبادرات فردية وأشارت د.فوزية أبو خالد إلى أنَّ العديد من جامعاتنا –للأسف- تعمل بأسلوب "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم" في معظم القضايا ذات البعد السياسي أو الفكري، كما أنَّها تُفضِّل أيضاً أن تعيش في معازل نظرية نائية، أو بعيدة عما يعتمل في المجتمع، وما يواجه الدولة والمجتمع من تحديات، موضحةً أنَّ هناك مبادرات فردية من قبل بعض أساتذة الجامعات على مسؤوليتهم، من خلال مقرراتهم أو بحوثهم داخل الجامعة أو خارجها. وبيَّنت أنَّ تلك المبادرات إذا كانت داخل الجامعة، فإنَّ أصحابها يُواجهون أحيانا بمسألة خروجهم على دور الشاهد الذي لم ير حاجة، الذي تؤديه بعض جامعاتنا بامتياز، وقالت: "أذكر هنا مثالاً للاجتهادات العلمية الشخصية، وهو ما تؤديه أ.د.لطيفة العبداللطيف من بحث بمجهود ذاتي، ودونما دعم من مؤسسة الجامعة يُعنى بالكشف عن الطرق التي يتّبعها الإرهاب في غسل أدمغة بعض شباب الوطن، لدرجة تحملهم على قتل بعض افراد أسرهم بدم بارد". ودعت وزارة التعليم إلى العمل على تنوير الجامعة بمسؤوليتها الوطنية في التنوير، وتطوير أدوات الأجيال في التفكير والتحليل لقضايا الوطن المصيرية، حتى تؤدي الجامعات شيئاً من الأدوار المُنتظرة منها في حق الوطن. د. عمر العمر د. صالح الدوسي د. فوزية ابو خالد مواجهة الإرهاب تتطلب تعاون المجتمع مع رجال الأمن