( لقد أدركت أن الناس يبنون لأنفسهم شخصيات كما يبنون المنازل، لتحميهم من العالم، ويصبحوا سجناء داخل هذه الشخصيات، ومعظم الناس يستعجلون الاختفاء داخل جدرانهم الأربعة بما يجعلهم يبنون المنزل بسرعة هائلة ) . "كولين ويلسون" نعم إنه الخوف من العالم, ومن الآخر ومن التغيير, كيف نبني لنا شخصية سوية تتوافق مع معطيات الحياة الجديدة التي كل يوم تجلب لنا بدعة جديدة, ومفاهيم مختلفة, وتغيرات تقلب كل مسلماتنا, وتجعلنا نعود بأنفسنا إلى نقطة الصفر. كيف يمكن أن نغير أفكارنا ونستبدلها بما هو صالح لنا, كيف يمكن تحطيم المسلمات القديمة وبناء شيء جديد, وماهي الطريقة الصحيحة لنكون نحن كما نريد وليس كما يريد الآخر ؟ يقول الناقد والمفكر علي حرب ( إننا نشهد ثورة معرفية لا سابق لها, يتجلى ذلك في خريطة الحدود، وقلب المفاهيم، ونبش الأصول، وزحزحة الإشكالات، وتفتيت الهويات، وتفكيك المعاني، وتفجير الخطابات وزعزعة اليقينيات, إن المشهد المعرفي يتغير برمته). يحرضنا حرب على الثورة على كل ما يقيد أفكارنا, ويلصق مفاهيمنا بغراء الديمومة, وبشكل مبسط هو يحرضنا على التغيير فكل ما حولنا يتغير إما بالسلب أو الإيجاب, كل شيء يتحرك بتسارع وتداخل, وفي عصر العولمة حيث نسير نحو ثقافة عالمية واحدة تحوي بداخلها ثقافات ذات نسيج متعدد تفرض علينا التمعن والتدقيق في ذواتنا وكيف تكون..! فالسلسلة التي تربطنا مع أنفسنا يجب أن تمتد إلى الآخر، واحتواء اختلافه لتوكيده في مجتمع يحوي بين طياته إشكاليات مفتوحة كالجرح، التساؤل الذي يلتصق بعقولنا كالعسل في عصر (فرط الاتصال) (وثورة المعلومة) و( ثورة البشر) ما هو الشيء غير القابل للاختراق في حياتنا, وما الذي يدفعنا لقرض شرنقتنا والهرولة نحو الآخر؟ قد تكون فلسفة الألم والخوف هي إحدى قوارب النجاة التي تدفع بالإنسان إلى العبور نحو الآخر تحت مظلة الحاجة، وهنا يتحول الألم إلى هبة ربانية نعظم قدرها، لأنها استطاعت أن تنفذ بنا إلى دوائر أكثر اتساعا، تجعلنا نتقمص القدرة على الإحساس والتحليل الدقيق لكل ما يدور حولنا, وقد حذرنا الشاعر ويليام بليك من أن نحبس أفكارنا دون أن نعبر عنها حتى الموت ( عندما تَسجن الفكر في كهوف، فهذا يعني أن الحب سوف يغرز بجذوره في جحيم عميق ).