ظهرت على السطح مؤخراً بعض المشاكل الإجرامية ولعل آخرها حادثة السطو المسلح على عربة نقل الأموال لأحد المصارف داخل حي الرائد بالرياض، والجهات الأمنية بتوفيق من الله تقدم إنجازات في محاربة ظهور هذه الجرائم سواءً من خلال الضبط السريع والمباشر لمرتكبي الجرائم أو من خلال الحملات الأمنية التي تنفذها بشكل متكرر داخل أماكن تواجد المجرمين، إلا أنني أجد أن هناك أمراً هاماً لابد من تسليط الضوء عليه كأحد مسببات الجريمة بخلاف المسببات الأخرى التي عادةً ما ينظر إليها وتتعلق بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وينبغى التعامل معه بشكلٍ جاد للحد من المشاكل الإجرامية في المدن، ألا وهو وجود الأماكن والمناطق العشوائية في مداخل وأحياء المدن والتي تشكل في كثير من الحالات مراكز للمشاكل الاجتماعية والأمنية علاوةً على ما تسببه من تشويه للنسيج العمراني للمدن وتمثل مأوى للمجرمين فتلك الأماكن العشوائية هي الحيز والوعاء الذي يمارس فيه هؤلاء المجرمون نشاطاتهم وجرائمهم وهي نقطة البداية والنهاية لكل جريمة ترتكب. العديد من الدراسات التي أجريت في أميركا وأوروبا حول الجريمة أثبتت وجود علاقة مباشرة بين المناطق السكنية العشوائية والسلوك الإجرامي، فالبيئة العمرانية المحيطة بالإنسان لها دور رئيسي ذو تأثير مباشر في تشكيل شخصيه الفرد وسلوكه إما إيجاباً أو سلباً لذلك يجب أن تكون البيئة العمرانية ملائمة لساكنيها وهذا يحتاج إلى تخطيط محكم لتهيئتها بالشكل السليم. لقد تبين من خلال تلك الدراسات أن ارتفاع معدلات الجريمة مرتهن بمستوى جودة البيئة العمرانية وأن المناطق والأماكن العشوائية تمثل بؤراً خصبةً لتوليد الجريمة والتي تتركز عادةً في الأماكن المحيطة بالأنشطة التجارية والصناعية، والمناطق التي لم يتم تخطيطها أو تطويرها، ووسط المدينة، والمناطق المكتظة ذات الكثافات السكانية العالية. ربما آن الأوان لنلتفت جدياً الى وضعية الأماكن والمناطق العشوائية التي تتواجد في أطراف وأواسط المدن والبدء في معالجة أوضاعها، فإذا أردنا الحد من مستوى ارتكاب الجريمة فمن الضروري أن يتم الاهتمام بالجانب العمراني للمدينة جنباً إلى جنب مع المجهودات الأمنية بحيث تتم دراسة علاقة البيئة العمرانية بحدوث الجريمة في المدن، وذلك من خلال متابعة ورصد المستجدات والتحولات في العلاقة بين النواحي الأمنية وتأثيراتها على عمران المدينة، والعمل على رفع مستوى البيئة العمرانية للأماكن العشوائية وتحسين الظروف المعيشية فيها، وتفعيل مستوى الرقابة البلدية لتحديد الأجزاء المتدهورة في المدن للحد من الاستيطان العشوائي فيها. *متخصص في التخطيط العمراني والتنمية