الواقف في سبيل الله عز وجل تغلَّب على شهوة حب المال التي زينها الله- تبارك وتعالى- فقال:" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة .." [آل عمران 14] وقال- سبحانه- :" وتحبون المال حباً جماً" [الفجر:20] فتخلّى الواقف عن ذلك، وبنى للمسلمين بيتًا يصلون فيه لله- تبارك وتعالى- أو شيَّد مَشفى يُعالَج فيه فقراؤهم ومحتاجوهم، أو بنى دارًا يسكن فيها الغريب وعابر السبيل، أو وفَّر أجهزةً طبية يُعالَجُ بها أصحاب العاهات من العمى أو الصمم أو أمراض الكلى ونحوها، أو خطَّ طريقًا أو أضاء دربًا أو نشر علمًا، كل ذلك ابتغاءَ مرضاتِ اللهِ سبحانه، فهنيئًا لمن حسن قصدهُ، ووفق للوقف في سبيل الله. ويلجأ بعض المحسنين إلى الوصية دون الوقف فيكتب في وصيته لورثته أن يبنوا له مسجدًا أو يوقفوا له عقارًا أو يتصدقوا عنه إذا مات، وربما كان حامله على ذلك البخل بالمال وغلبة حبه، والله المستعان، ولم يدرك أن حاجته الحقيقية إلى المال هي بعد أن يوسد التراب ويفارق الأهل والأَحبابَ والأصحابَ، ثم هو لا يدري أيجعل الله في ورثته البركة والصلاح فيجرون ما أوصى به؟ أم ينشغلوا بالدينا وملذاتها فيهملوا وصية مورثهم؟ والله المستعان وإليك هذه القصة العجيبة: أوصى أحد كبار التجار بنيه من بعده أن يبنوا له مئة جامع في أقطار العالم، فلما تُوفي اختلف بنوه من بعده في المال والتركة، وتنازعوا وتلاحوا حتى نسوا وصية والدهم فأُهملت، فلم يُبن من هذه المئة مسجد واحد.. والله المستعان. فكم من صحيح بات للموت آمنا أتته المنايا بغتة بعدما هجع فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتة فرارًا ولا منه بحيلته امتنع وفي المقابل حدثني أحدهم يقول: كان جارنا رجلًا كبيرًا في السن ومحبًا للخير، وفي يوم من الأيام دعا جارنا والدي في بيته وطلب منه أن يشهد معه على وصيته لأولاده بأن يبنوا له مسجدًا بعد وفاته، قال الراوي: وكان والدي رحمه الله حكيمًا فقال: ولِمَ توصي أولادك بهذا العمل؟! لِمَ لا تبنيه أنت؟!، فقال الجار: أنا رجلٌ كبير في السن ولا أقدر على متابعة بناء المسجد، قال الراوي: فقال له والدي: أنا اأشرف عليه، قال: فتعاونت مع والدي في الإشراف على بناء المسجد وما هي إلا أشهرٌ قليلةٌ حتى بُني هذا المسجد، قال: فأمدّ الله في عمر هذا المحسن وصَلَّى في المسجد قرابة عشرين سنة!. ومن الفروق بين الوقف والوصية: 1- أن الوقف يفضّل على الوصية وذلك لأن أجر الوقف يبدأ من حين عقد النية عليه والعمل به في حال حياة الإنسان، بخلاف الوصية فإنها تكون بعد الموت، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ». 2- ومنها أن الوقف عمل صالح يقدّمه الإنسان بين يديه قبل أن يلقى الله- تعالى- وقد شبّهه بعض العلماء بأنه مثل السراج في الليل لا يستفيد منه الإنسان إلا إذا كان أمامه بخلاف الوصية فإنها مثل السراج إذا وضعه خلفه فلا ينتفع به في الغالب. 3- كما أن من الفوارق بينهما أن الوصية لا تجوز إلا فيما دون الثلث لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفيه توجيهه صلى الله عليه وسلم لسعد ألا يوصي بأكثر من الثلث وقال له: «الثلث والثلث كثير»حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن الوصية بالربع أفضل من الوصية بالثلث، أما الوقف فإنه يصحّ في المال كله ما لم يضر بالورثة شريطة ألا يكون في المرض المخوف الذي يُخشى فيه على صاحبه من الهلاك، والله المستعان. 4- كما أن من الفروق بينهما أن الوصية لا تجوز للورثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» بخلاف الوقف فإنه يجوز للورثة لاسيما مع ضعفهم أو حاجتهم.