بدأ التوتر والتصعيد في الخطاب يعود من جديد للعلاقات التركية – الايرانية لأول مرة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016 والتي دفعت أنقرة إلى تعزيز تواصلها مع طهران وموسكو على المستوى الثنائي وعلى المستوى الاقليمي (حول سورية) وكان احد ثماره مؤتمر الاستانة وآلية وقف اطلاق النار التي تضمنها الدول الثلاثة. ويرجع التوتر الاخير الحادث بين الحكومة التركية والحكومة الايرانية إلى ظهور مجموعة من المستجدات الاقليمية والداخلية شجعت كل طرف على اللجوء للتصعيد في الخطاب ضد الاخر. وإذ يتزامن هذا التصعيد مع تأزم مباحثات الاستانة وجنيف إلا أن تأزم المباحثات لم يكن السبب الرئيسي في عودة اللغة الحادة في خطاب البلدين تجاه الاخر، بل يمكن تفسير ظهور التصعيد من جديد إلى المصالح التي تسعى كلا من أنقرةوطهران تحقيقها من المستجدات التي طرأت على المشهد الاقليمي خاصة بعد صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة. على الجانب التركي، تركز أنقرة حاليا على مناقشة المسائل الاقليمية التي تتوافق فيها مع الجانب الأمريكي (مثل مشروع المنطقة الأمنة في شمال سورية ومحاربة الارهاب) لتعويض خسائر الرصيد الاقليمي في العلاقات التركية – الأمريكية التي وقعت في زمن الادارة الأمريكية السابقة، وعلى أمل – ان بدى صعب المنال - في اقناع واشنطن بتغيير وجهة نظرها حول دور المسلحين الأكراد في شمال سورية ومستقبلهم في عملية محاربة تنظيم داعش. ومع اعلان الادارة الأمريكية تبنيها خطاب اكثر تشددا تجاه الدور الايراني في الشرق الاوسط واتخاذها خطوات تقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي بخصوص هذا الأمر، يأتي اتخاذ القرار التركي في التصعيد الخطابي ضد طهران كي تظهر مساحات التوافق التركي – الأمريكي اقليميا مع إدارة ترامب أكبر من مساحات التوافق مع الادارة التي سبقته. من جهة أخرى يبدو هدف تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون - الذي يؤمن لأنقرة منافع سياسية اقليمية ومصالح اقتصادية هي في أقوى حاجة إليها – قريب المنال من التصعيد الخطابي مع طهران، بالإضافة إلى ما ستجنيه أنقرة على المستوى الاقليمي والشعبي عبر اظهار دورها كمنافس للدور الايراني في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد. على الجانب الايراني، يأتي اتخاذ قرار التصعيد في الخطاب ضد أنقرة وسياساتها الاقليمية كجزء من رد الفعل الايراني المقاوم لمستجد الدور الأمريكي والرافض لأية تطورات سياسية اقليمية على الأرض قد تصاحب اي توجه ضد النظام الايراني ودوره في البلدان العربية. فالرد الايراني يبدو ضروريا للحفاظ على صورة طهران أمام حلفائها الاقليميين والمحليين الراغبين في حماية مكتسبات المرحلة وعدم تقديم اية تنازلات للطرف الاخر. ولم يظهر بعد النهج الذي ستتبعه طهران لترجمة مقاومتها للمستجد الأمريكي والقرار التركي سواء عبر الالتزام بالخطاب التصعيدي أو بتصعيد السلوك على الأرض عبر أدوات تأثيرها في اكثر من موقع في المنطقة الذي قد يلحق اضرار بالمصالح الأمريكية والتركية. أيضاً لا يخفي انعكاس التنافس الداخلي في ايران بين الجناح الاصلاحي والجناح المتشدد – مع قرب الانتخابات الرئاسية الايرانية – على اتخاذ قرار التصعيد في الخطاب مع أنقرة، فالبعد الداخلي الايراني بات له موقع في خلفيات مواقف السياسة الايرانية اقليميا ودولياً خاصة مع تبني التيارين لرؤية مختلفة حول الدور الاقليمي التركي. بات العامل الاقليمي مؤثرا لفهم وتحليل العلاقات التركية - الايرانية منذ احداث الانتفاضات العربية في عام 2011 والذي لحق بالفراغ السياسي الذي حدث في بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003. فقد ظهرت محطات اختلاف كثيرة بين طهرانوأنقرة في أكثر من ملف اقليمي وبلد عربي إلا أن انعكاسات الاختلاف سواء على هذة الملفات أو على مسار الاحداث في هذة البلدان لم تكن الحاسمة لهذا الملف أو ذاك المسار، وكانت اثار الاختلاف على العلاقات الثنائية بينهم زمنية وتم تجاوز البعض منها. ومع تطبيق هذا الطرح على التصعيد الخطابي الاخير بين طهرانوأنقرة، فإنه لا يمثل قولاً فصلاً في المعادلة الاقليمية في سورية لعدم تطوره إلى اشتباك على الأرض ولتواجد أكثر من فاعل اقليمي ودولي اخر يمتلكان ثقل التأثير في المشهد السوري. كما أنه لا يمثل الطارئ الذي قد يتحول إلى أزمة في العلاقات الثنائية ببُعدها الاقتصادي المتعلق بعلاقات الغاز وأهداف الاستثمارات التركية داخل ايران.