الثامن من مارس، يوم سحري، أو نعتقد أنه كذلك، سوف يحل مشكلات النساء برصدها وسردها واستعراضها.. فتستنفر الإذاعات وبرامج التلفاز والفضائيات والصحف وكل المؤسسات التي تهتم بالموضوع حقاً أو تريد أن تُرضي مجموعة عملائها من النساء، فتكسب صوتاً أو أكثر.. وتأخذ كل منها في تقديم ما لديها من مخزون سنوي، باحثة عن المتحدثات والمعجزات والمخترعات لتبزّ بهن العالم فخراً وعرضاً، شرقاً وغرباً، داخل المملكة وخارجها، مبتعثات ومرتجعات، موظفات وطالبات ورائدات، ونستنفر قوانا اليوم لتجميع أنفسنا وأنفسهم لاغتنام الفرصة بطرح الفكرة والمطلب مصدقين ومصدقات بأن معجزة ما ستقع وأن أحدهم بيده القرار المبتغى سيستمع.. وبعصا سحرية سيشق البحر ويلحمه ويصدر تلك القرارات الأمل وتُحل كل مشاكل العالم ومشاكلنا.. مشاكل النساء، قضايا النساء، حقوقهن وآمالهن، المتأخر منها والمنسي، المؤجل والمحوّل، ثم ينتهي اليوم.. وتستكمل أيام غير النساء ال 364 التي ترجع منقادة إلى الرجال كما تردد الكاريكاتيرات التي تسير بها ركبان الواتساب.. ولا شيء يبقى سوى النية الحسنة وحسرات النساء وصور وتسجيلات وانستغرام ويوتيوب برامج ومقابلات ذلك اليوم التي نجترها طيلة أيام السنة الباقية إلى الثامن من مارس القادم. يعتقد من بيدهم ذلك "القرار" أن هذه هي الطريقة المثلى لحل مشكلة هؤلاء النساء "المزعجات" تسكيتهن، تخديرهن، أو ترويضهن بإرضائهن بهذا اليوم للمضي في الأعمال المعتادة: العنف، التمييز، الابتزاز، التخوين، التخويف، التهميش، تحصيل ما يمكن منهن، مالاً وطاقة وعملاً، إرثاً أو راتباً أو ميّزةً، مع إيهامهن بأن شيئاً يتغير وأمراً يتحسن وحقاً في طريقه للوصول إلى صاحباته.. وصاحبات الحق ينتظرن وينتظرن.. يمضين العمر.. وفي آذانهن يصدح صاحب ربيع تونس بصوته.. هَرِمنا، هرمنا.. وهو يقلب يديه وعينيه في السماء.. يشكو ضياع العمر في انتظار انبلاج الحق والعدل وهن يقلّبن أيضاً.. هَرمنا ونحن بعد قاصرات.. ونحن بعد ثاني وثالث مواطنات.. ونحن بعد في المقعد الخلفي من سياراتنا وأوطاننا نقبع متفرجات على نساء العالم المتقدم والمتأخر يتقدمن علينا.. ونحن ننازع المراتب الأخيرة في التمييز ضد النساء أو في الفجوة بين الجنسين أو في العنف ضد المرأة.. ولا ضوء بعد في نهاية النفق.