أجمع أكاديميون من المهتمين بالعلاقات السعودية الصينية على أهمية افتتاح فرع لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين بجمهورية الصين الشعبية، لتكون جسراً للتواصل الثقافي والعلمي والمعرفي بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الصينية، بما يدعم نمو العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والصين في المجالات كافة. وعد عدد من الأكاديميين إنشاء فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بجامعة بكين نقلة نوعية في العلاقات الثقافية بين البلدين، ونافذة للتعريف بالثقافة العربية الإسلامية ورافداً لإثراء برامج تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية. وأوضح الملحق الثقافي بالصين سابقا وأستاذ مادة الصين والشرق الأقصى بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمستشار بالمنتدى الصيني العربي الدكتور صالح بن حمد الصقري أن افتتاح فرع مكتبة الملك عبدالعزيز بجامعة بكين يمثل امتداداً للعلاقات الحضارية والتاريخية بين العالم العربي والصين، التي تعود جذورها إلى 14 قرناً من الزمان، مشيرا إلى أن المشروع يعزز بناء العلاقات العلمية والثقافية بين المملكة العربية السعودية بشكل خاص والعالم العربي عموماً وجمهورية الصين الشعبية، وهي العلاقات التي تشهد تطوراً كبيراً في جميع المجالات، يتمثل في الزيارات الرسمية والشعبية المتبادلة بين البلدين وأبرزها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لجمهورية الصين الشعبية، التي تؤكد متانة هذه العلاقات التاريخية والحضارية بين البلدين الصديقين، ليستمر هذا التواصل التاريخي والحضاري والعلمي بين الحضارتين العربية الإسلامية والصينية. ويرى الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الدكتور عبدالله الوشمي أن إنشاء فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في جامعة بكين يؤكد وصول العلاقات الثقافية بين المملكة والصين إلى مستوى متميز من التطور والنضج، لأن المكتبة تتجاوز مظهر المبنى والأرفف إلى جوهر العلاقات الثقافية الحقيقية، لتصبح رمزاً ثقافياً تنويرياً يحمل القيم المشتركة بين الحضارتين والدولتين، وتعيد إنتاج المعرفة بما يكفل لها الرواج والاستمرار. بدوره أكد الدكتور صالح بن عبدالرحمن المانع أن أول تاريخ مكتوب للتواصل مع الحضارة الصينية كان في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ومنذ ذلك التاريخ تطورت العلاقات السياسية والاستراتيجية بدرجات متفاوتة وإيقاعات متباينة، وصولاً لهذا العصر الحديث الذي سبقت فيه العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية العلاقات الدبلوماسية، إضافة للعلاقات الثقافية بين البلدين على أكثر من مستوى، وصولاً إلى افتتاح فرع لمكتبة الملك المؤسس عبدالعزيز في جامعة بكين أعرق الجامعات الصينية، إلى جانب وجود أكثر من 500 طالب سعودي يدرسون في جامعات الصين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، إلى جانب وجود عدد من الطلاب الصينين الذين يدرسون في الجامعات السعودية. وأضاف الدكتور المانع أن فرع مكتبة الملك عبدالعزيز في جامعة بكين، يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين ويؤكد عمقها ومتانتها، ويتيح مساحات كبيرة للتواصل الثقافي والعلمي والمعرفي في جميع المجالات. كما قال عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاستراتيجي الدكتور إحسان بو حليقة: «إن العلاقات السعودية الصينية تجاوزت إطار تجارة النفط وتبادل السلع إلى تعميق الصلات وتكامل المصالح، في رؤية واضحة للاستثمار طويل الأجل في علاقات استراتيجية، ولاسيما أن الصين أحد المحركات الرئيسية لاقتصاد العالم، كما أن نهضتها الاقتصادية تمثل معجزة حقيقية بعد أن تمكنت خلال العقود الثلاثة الماضية من أن تقفز باقتصادها كماً ونوعاً مرات عدة، وهو التنوع الذي تهدف المملكة إلى تحقيقه منذ بداية حقبة السبعينات التي أطلقت خلالها أول خطة خمسية للتنمية بهدف تنويع الاقتصاد السعودي، وما تبع ذلك من نمو كبير وتوسيع لدور القطاع الخاص، وصولاً إلى رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى أن يكون الاقتصاد السعودي ضمن أكبر 15 اقتصاداً في العالم، وتحقيق هذه الرؤية يتطلب بذل جهود حثيثة على أكثر من صعيد، بما في ذلك القنوات الدبلوماسية والتعاون الثقافي والعلمي، وليس من شك في أن التعاون السعودي الصيني يمثل قوة دافعة في هذا الاتجاه «. وعد الدكتور بو حليقة افتتاح فرع مكتبة الملك عبدالعزيز في جامعة بكين يضيف بعداً جديداً للعلاقات الاستراتيجية السعودية الصينية من خلال تبادل المعرفة والتفاعل العلمي والثقافي، وهو أمر يعزز فرص التعاون الاقتصادي في إطار علاقات استراتيجية أشمل قابلة للنمو وقائمة على توازن المصالح. يذكر أن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعد من أهم المكتبات العامة من حيث التنظيم والخدمات المعرفية والمشاريع الثقافية التي تعمل على إنجازها، ومن أهمها: الموسوعة الشاملة للمملكة، والفهرس العربي الموحد، وجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، لتسهم المكتبة بشكل فعال في اكتمال منظومة جسور المعرفة والثقافة العربية والإسلامية والشرقية والغربية في رؤية حضارية إنسانية شاملة. ومن خلال هذه الجهود والأنشطة تسعى مكتبة الملك عبدالعزيز إلى دعم حركة التأليف والترجمة والنشر العلمي في مجالات العلوم العربية والإسلامية بما يحقق تطوير البحث العلمي بالمملكة، وفي الجانب الآخر تعريف الشعب الصيني بأصالة وهوية الإنسان السعودي وجهوده الوطنية والدولية لإرساء ثقافة عالمية للتآخي والتآلف بين كافة شعوب العالم. نموذج لمكتبة الملك عبدالعزيز