يقول إحسان عبدالقدوس: "أعرف أننا نستعمل اللغة الأجنبية دائما عندما نريد أن نعبر عن شيء يحرجنا أن نعبر عنه باللغة العربية.. لأن اللغة الأجنبية بالنسبة لنا أقل صراحة من اللغة العربية." هل فكرت يومًا من الأيام بلغتك الأم، مدى أهميتها، مدى ارتباطك بها؟ لماذا تتحدث بها؟ ولماذا تؤثرها على غيرها؟ أو لماذا تؤثر غيرها عليها؟ كوني مترجمة؛ فُرض علي التفكير بلغتين -على الأقل- معًا في آن واحد، التحدث بلغتين، الكتابة بلغتين، وعلى مدى دراستي الجامعية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير كنت أتحدث باللغة الهدف غالب الوقت بطبيعة الحال، وحتى عندما بدأت مشواري العملي، فُرض علي التحدث باللغة الأخرى وأصبحت أتحدث بها أكثر من لغتي، محبوبتي وملهمتي، لغتي التي نطقت بها الشهادتين، لغتي التي عبرت بها عن حزني وفرحي، عن غضبي وحلمي، حتى عندما أصمت وأخوض ذاك الحوار الداخلي؛ يكون بلسان عربي. بدون سابق إنذار أصبحت اللغة الأخرى تشارك لغتي الأم، أصبحت أفكر بهما معًا، أكتب بهما معًا، لم أصبح ثنائية اللغة فحسب لكوني أجيدهما معًا، بل أصبحت ثنائية اللغة في المشاعر، في الحديث، في التفكير، على الرغم من أني حين أكتب بإحدى اللغتين ألتزم بها وعندما أترجم لإحدى اللغتين ألتزم بها، ولكن في حديثي اليومي، في التعبير عني وعن أفكاري، عن عملي، أعاني من صراع اللغتين، يخونني لساني، تخونني مشاعري، تخونني أفكاري، مناجاتي لنفسي. ومن ثم يأتي من يقسو عليك، من يلومك، من يتهمك بالاستعراض والتباهي بحديثك باللغة الأخرى الذي معاذ الله أن يكون نتيجة "استعراض" أو "انعدامٍ في الثقة"! إن اللغتين إذا التقتا في اللسان الواحد لا تدخل كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها فحسب كما قال الجاحظ، بل تدخل الضيم على صاحبها، تتولد لديه ازدواجية في التفكير، في التعبير، في المشاعر، ولكن سيظل الانتماء لأمي أم اللغات ما حييت حتى لو تحدثت بأخرى، حتى لو كتبت بأخرى، حتى لو تعلمت لغة أخرى! هل ينسلخ الإنسان عن أمه؟ من ذا الذي يسأم من حضنها من التعبير بها وعنها!