تخوض الجمهورية الفرنسية اليوم انتخاباتها الرئاسية العاشرة وسط تغير كبير في المزاج الفرنسي، حيث يتصدر السباق مرشحان لحزبين صغيرين هما الجبهة الوطنية بقيادة ماري لوبان، وحزب المسيرة بقيادة الشاب "ماكرون"، بخلاف تاريخ طويل من حكم الحزبين الكبيرين وهما: الحزب الجمهوري والحزب الاشتراكي، واللذان ظلا يقودان الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ تولي ديغول مقاليد الحكم، مروراً بمن خلفه من الرؤساء الجمهوريين (بومبيدو) و(دستان) و(شيراك) و(ساركوزي) والاشتراكيين (ميتران) و(هولاند). هذا التغير في المزاج الفرنسي تصحبه عدة معطيات وأسباب منها الاقتصادية والثقافية أيضاً بعد عقود من الجمود وغياب الإصلاحات الفرنسية، حيث لم تشهد الميزانية الفرنسية منذ السبعينيات أي توازن هيكلي يذكر بخلاف محاكاة الميزانية الألمانية عام 2002، ولم تلحق هذه المحاكاة بأي إصلاحات تذكر حتى انخفض وزن الصادرات الفرنسية لمجموع الاتحاد الأوروبي من 13% إلى 10.5%، ومعدل عاطلين يعد من الأعلى في أوروبا حيث يبلغ 10%، والأسوأ أن 80% من الوظائف الجديدة هي في الأساس لعقود قصيرة الأجل بخلاف ألمانيا التي انحسر حجم العاطلين فيها إلى 4%. هذه التآكل في الاقتصاد الفرنسي مع تغير الأجيال السياسية في فرنسا مكّن حزب الجبهة الوطنية من التعمق في المجتمع برغم صورة الحزب العنصرية والاستعمارية بحكم مواقف الحزب من الاتحاد الأوروبي وذكريات الاستعمار إلا أن الحزب اليوم يظل أقرب وأوضح للمفاهيم اليمينية الرأسمالية والتي يراها الكثير من الفرنسيين الآن هي طرق وحلول للنمو قياساً بالحزب الجمهوري الذي تبنى الكثير من الأفكار اليسارية بسبب تحالفاته المتشابكة مع النقابات وأحزاب اليسار، بدليل أن أغلب المناصرين لحزب الجبهة الوطنية هم في المناطق التي يكثر فيها العاطلون عن العمل، لذلك عاد قادة الحزب الجمهوري وهم (ساركوزي) و(جوبيه) لإقناع المرشح المنسحب (فيون) خوفاً من انهيار الحزب، وبالتالي يكون حزب الجبهة الوطنية هو حزب اليمين الجديد والكبير بعد أن كان حزب الأقلية المعترضة، واضح بأن (الجبهة الوطنية) سوف ينتصر في دورته الأولى؛ أما في الدورة الثانية فهناك شكوك حول ذلك، لكن الأكيد هو أن الحزب كل يوم يزداد رسوخاً ماذا عن الشاب "ماكرون" والذي اختار السير في الانتخابات عبر حزب بلا تاريخ أو جماهرية، ولكن في ظل ضعف مرشح اليسار (اموس) تزداد شعبيته، البعض يراه رومانسياً بسبب حبه للفلسفة وزواجه من معلمته التي تكبره بربع قرن، ولكن الاقتصاد الفرنسي شهد تحسناً بعد تعزيز سيطرته في الحكومة، وهجومه المتكرر ضد الاستعمار والعنصرية خصوصاً حواره الأخير في صحيفة اللوموند عموماً النقابات الفرنسية أقوى وأهم من الأحزاب في فرض القوانين والأنظمة في العقود الثلاثة الأخيرة، وفيها من التغيرات والتيارات ما هو أعقد من الأحزاب، ولكن نظام فرنسا رئاسي، وصلاحيات الرئيس أقوى من نظرائه الغربيين، واليوم الجمهورية الخامسة تنتظر مواجهة الشاب الطموح "ماكرون" أو "فيون" مرشح اليمين ضد النمرة "لوبين".