تتطلب الكتابة عن التاريخ الثقافي والاجتماعي مميزات خاصة في الكاتب باعتبار هذا النوع من الكتابة له خصائصه المتفردة غير حساسيته وإشكالاته المتعددة التي تتطلب الموضوعية والتجرد، يحاول الباحث والكاتب قاسم بن خلف الرويس في كتابه الصادر عن منشورات ضفاف بعنوان (بدويات وحضريات: قبسات من ثقافة الصحراء العربية)، تأسيس مداخل لمشروع عن البداوة في الجزيرة العربية بشكل خاص وعن ثقافة الصحراء بشكل عام ويقول هذه المشاريع تفتقد الدعم والاهتمام؛ لأنها تتعلق بثقافة يحاول بعض مثقفينا أن يوغلوا في التبرؤ منها، ويرغبون في الانفلات من جذورها فيصموها بالتخلف والانحطاط، متجاهلين أنهم لا يستطيعون الانفكاك منها ولا التمرد عليها لأنها تجري في عروقهم مجرى الدم رغم عقدة النقص التي يعيشونها، أمام الثقافات النهرية التي تحتقر ثقافة الصحراء وتنظر إليها شزراً، وستظل ثقافة الصحراء هي الثقافة الأصيلة للعرب أينما كانوا وكيفما عاشوا، وأن صحراء الجزيرة العربية بفضائها وسحابها وشمسها وسرابها وإبلها وترابها ستظل هي ساحة التاريخ وجغرافيا اللغة، يقول الدكتور سعد الصويان في مقدمة الكتاب "قاسم الرويس من القلائل المهمومين بثنائية الحضارة والبداوة والجدلية الثقافية بينهما ويتناولها من زوايا قلما تخطر على البال، مدللا على أطروحاته بشواهد ينتقيها بعناية من أشعار البدو والحضر، بحيث تبرز لنا الصورة البانورامية من مختلف الزوايا والأبعاد، مشبهاً الرويس بعريف الحفل الذي يقدم المؤدين على اختلاف وجهات نظرهم وتعدد مواهبهم ويعطي كلا منهم مساحة كافية للحركة، ويضيف: ثقافة الصحراء رموز تحتاج إلى تفكيك للغوص على دلالتها، بدلا من التفسيرات السطحية التي شوهتها عبر القرون، إلا أن هذه المقالات أضاءت زوايا كانت معتمة، حملت عناوين هذه المداخل الثقافية تنوعا لافتاً وطريفاً في الوقت ذاته، بدءاً بلماذا يرفض البدو الحضارة مرورا بعنوان ما بين الحضر والبدو، إلى نظرة الحضريات للبدو وفلسفة الجمال عند البدو، والبدويات معشوقات وعاشقات، وليس ختاما بالحب العذري جنة القلوب ونارها، وعن كتابه يقول قاسم الرويس: هي مداخل ثقافية عامة لموضوعات خاصة كتبت على مدى زمن طويل ليست دراسات أو بحوث ذات عمق معرفي وتحليل علمي، إنما مداخل بدأت بكتابة بعضها فأفضى بعضها إلى الآخر، ولأنها مداخل فلم تكن فيها عناية بالتوثيق لأنها في الغالب تعتمد على انثيال الذاكرة واستحضار الشواهد ذهنياً.