خلال أقل من أسبوع واحد، شهدت بلادنا حدثين مهمين للغاية، لا شك أن لهما أبعاداً كثيرة، أولهما وهو إقرار مجلس الوزراء الترتيبات التنظيمية لإنشاء الهيئة العامة للثقافة، لتجذِّر عملياً الحلم القديم بتأسيس هيئة مستقلة نستطيع من خلالها تفعيل العمل الثقافي الوطني بشكل جاد في كافة المناطق والمحافظات والمدن، لتكون إشعاعاً يعبر عن المنظومة الفكرية الهائلة المخزونة في عقولنا وتراثنا العام، والثاني فيتمثل في انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2017، تحت عنوان "الكتاب.. رؤية وتحول"، برعاية مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي بدأت الأربعاء الماضي ولمدة عشرة أيام تقريباً. حلم «هيئة الثقافة» الذي استمر قرابة 70 عاماً أصبح واقعاً على الأرض، ولعل المهمة الأصعب في الفترة المقبلة، هي البحث عن كيفية استثمار الفرصة كما قال عضو لجنة الصياغة الصديق والكاتب محمد رضا نصر الله لتعزيز "حضور القوى الناعمة التي تنضوي تحت مظلة الوطن بمنجزها التاريخي والتراثي وتجربتها الثقافية المعاصرة" في ظل التراكم النوعي لكل المخرجات المتعددة والمتنوعة.. والتي تتلاقى مع الأسس والأهداف التي نرتجيها بالتوازي مع رؤية 2030 الاستراتيجية، باعتبارها وعاءً شاملاً يستنهض كل مفردات ومقومات النهضة الحديثة.. وما يترافق معها من إبداعات تبحث فقط عن فرصة للبروز والانطلاق. وإذا كانت الثقافة عملية صعبة للغاية، وتحتاج ركائز ليس هذا مجال بحثها، ولكنها مع فتح آفاق العقل وتوعيته، نكون قد وضعنا أول حائط صدٍّ حقيقي أمام بقية مفردات التضليل التي تموج بها الساحة الإقليمية، وضمنَّا إلى حد كبير بناء عملية تحصين أساسية ضد كل هذه الأفكار وما يتبعها من ارتدادات عقلية وفكرية لأبنائنا وشبابنا عبر عملية انفتاح غير مسبوقة تتلاقى مع الآخر، وتبحث عن المشترك الإنساني والعقلي في التفكير وتحفيزه والبناء عليه، وهي غاية شديدة الأهمية في ظل معركتنا المستمرة ضد أفكار العنف والإرهاب.. وهو ما ينعكس إيجاباً بكل تأكيد على لجم خطاب التطرف والعنف وبالتالي تجفيف منابع التشدد والتعصب والإقصاء. ومن هذا المنطلق النبيل، يمكن فهم أبعاد معرض الرياض الدولي للكتاب، في دعم الحراك الثقافي والحضاري في بلادنا.. والذي شكلت مسيرته الناجحة طيلة أكثر من عقد من الزمان، علامة امتياز آمنت بها وزارة الثقافة والإعلام، لذا توجته في دورته الحالية بهوية جديدة وشعارٍ جديد، يتواكب مع رؤية المملكة 2030. علينا أن ندرك، أن تنمية العقل وتحقيق انفتاحه هو ضربة واعية ضد معاول الانغلاق والتقوقع، وعلينا أن ندرك أن بناء الإنسان يبدأ من تنمية مهاراته الفكرية والثقافية أولاً، لاستيعاب واقع العصر ومتطلباته التي باتت ضرورة لا غنى عنها، وتحديداً في هذه المرحلة الفاصلة.