في الوقت الذي كثر فيه الجدل حول إنتهاء حل الدولتين، والمناكفة بين الإسرائيليين أنفسهم بين من يريد ضم الضفة الغربية بالكامل، وبين من يكتفي بضم ما يُعرف بالمناطق (ج) التي تشكل 60 بالمائة من مساحة الضفة حفاظاً على التوازن الديموغرافي، فاجأت الأرقام التي أعلنها السجل السكاني في الإدارة المدنية حول معدلات النمو السكاني في العقدين الأخيرين الجميع، حيث كشفت هذه الأرقام تراجع المشروع الاستيطاني، ونقضت ما يُشاع عن ازدهاره ونموه المضطرد. وكشفت هذه المعطيات إلى أن النصف الثاني من العام 2016 شهد زيادة 7053 مستوطنا فقط إلى المستوطنين في الضفة الغربية، 43 بالمائة منهم جرت في المدينتين الحريديتين "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت"، وأغلبيتهم الساحقة نتيجة التكاثر الطبيعي. ويقول الخبير في شؤون الاستيطان د. شموئيل أرييلي في مقال نشرته "هآرتس" الأسبوع الماضي، إن المعطيات تسقط قناع التضليل عن مشروع الاستيطان، وتكشف عن وضعه الحقيقي، وهي بمثابة إعلان عن تراجع وفشل هذا المشروع. ويؤكد أن الجزء الأكبر من هذه الزيادة - الضئيلة أصلاً- في نسبة المستوطنين ناتجة عن التكاثر الطبيعي في هاتين المدينتين الحريديتين. وهما مدينتان فقيرتان جدا ومدعومتان من الحكومة، ويفترض ضمهما إلى إسرائيل في أي اتفاق دائم وتبادل للأراضي، أي إن هالة مشروع الاستيطان وطمس الفلسطينيين وطموحهم القومي، على حد تعبيره، تعتمد على التكاثر الطبيعي في مدينتين حريديتين سيتم ضمهما في الاتفاق الدائم. الأرقام التي يكشفها الخبير الإسرائيلي تناقض واقع الحال السياسي، الذي يتم بناؤه حول مشروع الاستيطان الذي يلتهم الضفة الغربية ويقوض الأسس العملية التي يقوم عليها حل الدولتين في الواقع الجغرافي والديموغرافي، ويوحي بأن النجاح السياسي لمعسكر المستوطنين يرتكز إلى نجاحات على الأرض، تتمثل في تعاظم قوة المستوطنين العددية وازدياد نسبتهم بشكل مضطرد، أو هو نتيجة وانعكاس للنجاحات التي تجري على الأرض. وفي حين يسود الاعتقاد بأن خطوات اليمين الاستيطاني السياسية المتمثلة بقانون شرعنة المستوطنات ومحاولات ضم "معاليه أدوميم" وغيرها هي سكرة نجاح وانتصار، يفيد الخبير الإسرائيلي بأنها ردود يائسة ونتاج فشل المشروع الاستيطاني على الأرض، ومحاولات للتستر على هذا الفشل. ولتعزيز وجهة النظر تلك، يسوق الخبير الإسرائيلي الأرقام المنشورة من قبل الإدارة المدنية، والتي تفيد أن "معاليه أدوميم" التي يسعىى اليمين الاستيطاني لضمها إلى السيادة الإسرائيلية، قد تراجع عدد سكانها في النصف الثاني من العام 2016، وباختزال التكاثر الطبيعي يظهر أن عشرات العائلات قد غادرت "معاليه أدوميم". أما مستوطنة "أريئيل" فقد حظيت بزيادة لا تتجاوز ال 4.5% فقط من إجمالي الزيادة نصف السنوية في مستوطنات الضفة، بينما تشير المعطيات إلى أن غالبية الزيادة السكانية حظيت بها المستوطنات العلمانية القريبة من الخط الأخضر، التي يفترض أنها ستضم لإسرائيل في الحل الدائم، وفق ما يقوله الخبير الإسرائيلي المذكور، وهي غفعات زئيف (4.7%)، ألفيه منشي (2.5 %)، أورانيت (%1)، هار أدار (%0.6) وأفرات (4.8%). بالمقابل فقدت، ما يصفها ب "المعاقل" الاستيطانية القومية المسيحانية من سكانها وتراجعت، حيث تراجع عدد المستوطنين في "بيت إيل" 34 شخصاً، وفي "إلكناه" 50 شخصاً، وفي "كريات أربع" 6 أشخاص، أما اللجنة اليهودية في الخليل فقد تقلصت بشخص واحد. وتشير المعطيات السابقة طبقاً للباحث الإسرائيلي إلى تراجع مستمر منذ عقدين في الزيادة السنوية في أوساط المستوطنين في الضفة الغربية بلغت نسبته 60% ، هذا إضافة إلى تراجع ما يُعرف ب"التكاثر الطبيعي" والذي يشكل بدوره 80% من إحصاءات الزيادة السكانية.