في السياسية لا يمكن الحديث عن حالة صفاء دائم أو توتر مستمر بين أي دولتين، فقواعد التذبذب موجودة في العلاقات السياسية التي تحكمها المصالح، وهي القواعد التي تتناسب قوتها عكسياً مع حجم العوامل المشتركة بين الدول. هذا المنطق يقف حائراً أمام حالة العلاقات التركية الألمانية التي تشهد هذه الأيام أزمة كبيرة نتيجة منع ألمانيا لتجمعات تركية داعمة للرئيس إوردغان على أراضيها، وما تلا ذلك من حرب تصريحات بين البلدين استخدم فيها كل طرف عبارات استدعت الماضي وانتقدت الحاضر الذي تعيشه كل دولة منهما بلغت ذروتها في اتهام الرئيس التركي لألمانيا بانتهاج "ممارسات نازية"، وهو الأمر الذي رفضته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واصفة ما تمر به علاقات بلادها مع تركيا أنه نتاج لاختلافات خطيرة وعميقة في الآراء، محذرة من نقل الخلافات الداخلية إلى الجالية التركية في ألمانيا. الأزمات التركية الألمانية المتكررة تعكس حالة فريدة في العلاقات بين الدول، فالمصالح السياسية تفترض وجود مواءمة مع المناكفات الداخلية خاصة أن كلاً من البلدين يرى في الآخر شريكاً مهماً، وتحديداً في ظرف شديد التعقيد على الصعيد الأوروبي بعد ترك بريطانيا مهمة القيادة التي ترى ألمانيا أنها الأقدر على حملها بين نظيراتها في القارة العجوز باقتصاد قوي وحضور سياسي وعلاقات دولية متوازنة. الأتراك أكثر فهماً للعقلية الألمانية بحكم تحالفات ودروس الماضي، وكذلك الحال بالنسبة للألمان الذين تحتضن بلادهم ما يزيد على ثلاثة ملايين تركي، ومع توفر هذا الإدراك المتبادل إلا أن العلاقات سريعة التأثر بالحراك الداخلي في كلا البلدين اللذين يضعان العلاقات بينهما كوسيلة ضغط يشكلها اليسار واليمين ترتقع وتيرتها مع أي استحقاق انتخابي أو إعادة تموضع للقوى السياسية داخل برلماني الشريكين المتخاصمين.