كيف يمكن أن يقرأ شاب عربي رواية قادمة من البلاد التي تنتج سيارة بورش أو فيراري أو تلك التي تصدّر قهوة ستاربكس. هل يمكننا حقا فصل المنتج الأدبي المترجم عن تلك العلاقة الاستهلاكية التي تربط المجتمعات المستوردة (العالم الثالث) بمنتجات المجتمعات المصدرة (العالم الأول) وما يحيط بهذه العلاقة غالبا من "إعجاب" و"ثقة" تصل حد التسليم بأفضلية وجودة منتجات و"سلع" الآخر. إن مسألة فصل تلقي الآداب والثقافات الأجنبية عن السياق الاقتصادي والثقافي الذي ينتجها بات من الماضي إذا تفضلنا بالدخول إلى حلقة تلك النقاشات التي أثارتها باكراً، نظريات الترجمة ما بعد الكولونيالية (بعد حقبة الاستعمار) والتي لا تنظر لفعل الترجمة بوصفه عملية نقل للمعنى "المتجرد" من لغة المصدر الأصل إلى لغة المستهدف؛ بل تنبه هذه النظريات إلى وجود ما يسميه المفكر الهندي البريطاني هومي بابا ب" تباينات القوة" والتي تؤدي إلى استحالة "الترجمة الثقافية"، حيث يرى بابا، بأن فعل الترجمة في الحالة الطبيعية ليس سوى ترجمة ميكانيكية من ثقافة إلى أخرى، مثلا من الإسبانية (المكسيك) إلى (الإنجليزية) أميركا والعكس؛ أما في السياق المابعد كولونيالي فإن المعادلة تختلف، بسبب "تباينات القوة" الهائلة بين الثقافتين (المنتج/المستهلك). وهو ما يمكننا اعتباره سببا وجيها لأن يتحول الكتاب المترجم، إلى مادة مغرية استهلاكيا بالنسبة لأولئك القرّاء المتورطين بقصد أو دون قصد في شبكة الحياة الاستهلاكية المعاصرة والتي تحولت إلى شبه حتمية زمنية بعد انتصار نموذج الحياة الرأسمالية وتعميمها على العالم من شماله إلى جنوبه. فبالتي تتباهى باقتناء حقيبة جلدية إيطالية تحمل علامة تجارية شهيرة أو ذلك الذي يلتقط صورة لكوب القهوة الأميركية ذي العلامة المعروفة - لن يتردد بوعي أو بلا وعي بأن يستعرض حقيبة كتبه التي تحوي ماركات الأدب العالمية من غونتر غراس إلى بول أوستر. في المقابل هل سنرى ذات الأمر في مجتمعات الاقتصاد الأقوى؟ لا شواهد تؤكد ذلك. أضف إلى ذلك مسألة عدم تكافؤ الترجمة بين العرب والغرب، ففي دراسة حول مشكلات الترجمة عبر تباينات القوة، يشير جاكومون إلى مثال الترجمة بين فرنسا ومصر، مطوراً أربع أطروحات خصبة تكشف عدم تكافؤ الترجمة بين الثقافتين العربية والفرانكوفونية، موضحا: تترجم الثقافة المسَيطر عليها "مصر" من الثقافة المهيمنة "فرنسا" أكثر بكثير مما تترجم فرنسا من مصر, وحين تترجم الثقافة المهيمنة أعمالا أنتجتها الثقافة المسيطر عليها (مصر) يتم تصوير هذه الأعمال وتقديمها (ترجمتها) على أنها على أنها صعبة، باطنية، مستغلقة، لا يمكن أن يفسرها سوى فريق صغير من المثقفين المختصين، في حين يترجم المصريون الثقافة الفرنسية المهيمنة لتقديمها إلى عموم الجمهور المصري العربي, في حين لا تترجم (فرنسا) من كتب الثقافة المسيطر عليها(مصر) سوى تلك الكتب التي تلائم تصورات الثقافة الفرنسية, كذلك يتوجه كتاب من الثقافة المسيطر عليها إلى الكتابة من أجل الترجمة إلى اللغة المهيمنة، لأنهم يحلمون بأن يقرأهم جمهور واسع، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الانصياع للصورة النمطية بينما التوسع في نتائج الدراسة السابقة يكشف أهمية "تباينات القوة"، فيما يخص مسألة الترجمة بين ثقافتين أولى مهيمنة وأخرى مستهلكة من جانب, ومن جانب آخر سيحيلنا هذا النقاش بالضرورة إلى قضية ترجمة الآداب الأجنبية بوصفها منتجا مستورداً في مواجهة منتج الكتاب الوطني أو "العربي". ذلك لأنه لا يمكننا تحييد صناعة الكتاب عن عالم اقتصاد السوق الذي نعيش فيه، حيث تنشط مختلف استراتيجيات الترويج والتسويق الحديثة. صحيح أن ثمة بعداً قيمياً وإبداعياً يمس المنتجات الثقافية والأدبية، لا يمكن تجاهله، لكن النظرة الشاملة لمجمل السياق الذي تتحرك فيه عملية صناعة وترجمة الكتب بين الثقافات المتباينة في القوة ليس أبدا بالبراءة التي يمكن أن نتصورها. ربما هذا الأمر لن يعني كثيرا تلك الشخوص المهووسة باستعراض ما تقرأ من "ماركات" الأدب الأميركي والأوروبي غير أن المسألة تكون لمن يود أن يدرك ماذا يقرأ ومن أي موقع يقوم بفعل القراءة. غونتر غراس بول أوستر