طالب عدد من المختصين والخبراء والمهندسين بضرورة سد الثغرات الموجودة في عالم المقاولات والبناء، والتي من شأنها خلق مساحة واسعة من انتشار "الغش التجاري" في مشروعات البناء، وأكدوا بأن مثل هذه الخطوة لن تأتي من وجود الأنظمة الفضفاضة في محاسبة المقصرين والمتلاعبين من المستثمرين والمطورين أو من خلال المهندسين والتي من شأنها أن تترك المواطن المتضرر يواجه مصيره بمفرده من خلال اللجوء إلى القضاء، إنما يجب أن تتخذ الجهات المعنية خطوة حاسمة في المحاسبة وفرض العقوبات الصارمة في حال ثبتت حالة غش في مبنى عام أو خاص. ودعا البعض منهم إلى ضرورة إقرار "ما يسمى بالتأمين العشري الإلزامي" على المباني بمدة لا تقل عن عشر سنوات، وذلك من أجل ضمان سلامة المبنى ومطابقته للمواصفات السليمة من حيث التصميم والبناء، مؤكدين بأن الإشكالية الكبيرة لا تكمن في من يروج لمثل هذه المواد المغشوشة إنما فيمن نفذ تلك المواد المغشوشة وجعلها ممكنة ومتاحة للاستخدام. مقاولون يبحثون عن مواد البناء ضعيفة الجودة لزيادة هوامشهم الربحية الأخطاء الثلاثة أشار الدكتور فهد العنزي -عضو مجلس الشورى في لجنة الاقتصاد والطاقة- إلى أن انتشار مواد البناء المغشوشة في الأسواق أصبحت ظاهرة ملاحظة وينبغي القضاء عليها سواء كانت المواد التي تدخل في مكونات البناء أو من خلال المواد التي تستخدم بعد الانتهاء من البناء في المنزل كالكهرباء وغيرها، فجودة البناء مهمة جدا باعتبار أن المواطن ينفق الكثير من سنوات عمره حتى يوفر مبلغا يكون قادرا من خلاله على بناء منزل العمر ثم تكون هذه المواد سبب حصول إشكاليات في المباني خاصة في الأمور الأساسية في البناء، مطالبا بدخول التأمين على المنازل بشكل إلزامي بحيث أن المقاول عندما يقوم بتنفيذ المباني سواء للجهات الحكومية أو حتى المقاولين الذين يقومون بالبناء بالاتفاق مع المواطنين من خلال عقود خاصة، فيجب أن يقدموا وثيقة تأمين إلزامي بضمان المنزل لمدة عشر سنوات، وهذا معمول به في الكثير من الدول ويمسى بالتأمين العشري، والمقصود به أن شركة التأمين تضمن أي عيوب تحصل في المبنى خلال عشر سنوات من خلال وثيقة تقدمها لمالك السكن، ويؤدي هذا إلى اختفاء المواد المغشوشة من البناء لأن شركات التأمين ستشترط مواصفات محددة حتى تأمن على البناء، فلن تغامر بالتأمين على المباني المغشوشة. وأوضح -العنزي- بأنه يجب على مؤسسة النقد أن تبرم ذلك النوع من الاتفاقيات على اعتبارها الجهة المشرفة على شركات التأمين وكذلك وزارة الشؤون البلدية التي بدورها تمثل الجهة المشرفة على البناء، فإذا ما ألزم المقاولين قبل أن يقوموا بالبناء أو إبرام عقد على غرار تجربة المباني الحكومية والذي يكون التأمين إلزامي بها، فقبل أن يحصل المقاول على المناقصة يجب عليه أن يقدم المستخلصات المترتبة على المناقصة كما يجب أن يقدم تأمين على المنشأة لمدة عشر سنوات ضد أي إشكالية تحصل في المبنى، مطالبا بضرورة تعمم مثل هذه التجربة على بيوت المواطنين وعلى المشروعات الحكومية التي تشرف عليها الجهات التنفيذية كمشاريع السكن، فحينما يلزم المقاول قبل أن يعطى رخصة البناء بأن يقدم وثيقة تأمين فإن هذا سيحل الكثير من المشكلة. وذكر -العنزي- أن الإشكالية تكمن إما في استخدام مواد مغشوشة في البناء أو في نتيجة أخطاء في تنفيذ البناء من خلال المقاولين أو الاستثمارين فهناك الكثير من القضايا المرفوعة نتيجة الغش في البناء والتي تكمن أسبابها في ثلاثة أنواع من الأخطاء: فهناك ما يتعلق بالأخطاء المتعلقة بالتصميم وهذا يسأل عنها الاستشاري الذي يقوم بتصميم البناء أو حسابات خاطئة، ثانيا: خطأ في التنفيذ وهو مسؤول عنه المقاول، ثالثا: أخطاء متعلقة باستخدام مواد مغشوشة في البناء سواء من المقاول إذا كان هو من يتعهد بإحضار المواد في البناء أو من المواطن حينما يشجع الاسعار المتدنية وبعض العروض المغرضة ولكنها للأسف تؤثر في جودة البناء، فالسوق مفتوح والرقابة ضعيفة، وهناك عدم وعي من المستهلك بأضرار ومخاطر بعض مواد البناء، وهناك أيضا أخطاء تترتب عليها بعض الاخطاء في البناء كاستخدام عدم العزل المائي أو ما شابه ذلك وكذلك اشكالية استخدام بعض المواد الكهربائية الغير جيدة وبعض مواد الحديد. وأكد -العنزي- بأنه فيما يتعلق بالمساءلة القانونية لمن يقوم بالغش فالموضوع له عدة جوانب أولا: قد يعامل الموضوع باعتباره غشا تجاريا بالبائع الذي يبيع مثل هذه المواد، ثانيا: ناحية تتعلق بالمقاول الذي لا يقوم باتباع الشروط المتعلقة بالبناء وهذا يصل إلى الاحتيال ولا شك أنه يدخل في حكم الجريمة ويوجد نظام خاص بالغش التجاري فيما يتعلق ببيع المواد المغشوشة، ولذلك يستطيع الطرف المتضرر (صاحب البناء) اللجوء إلى المحكمة المختصة لطلب التعويض. إنتاج المواد المغشوشة ويرى المهندس سعود الدلبحي -محكم وخبير هندسي- بأن المشكلة الأساسية في انتشار المباني المغشوشة التشريعات وضعف العقوبات وضعف الضوابط لممارسة الغش ولممارسي الغش ومهما كانت الاخلاقيات، إلا أن الغش والاحتيال صفة بشرية موجودة ولكن ما يردعها هو شدة العقوبات، فما حصل في الماضي من غش في البناء إنما حصل نتيجة فراغ تشريعي، ولكن الان بدأت الضوابط تظهر من ناحية الممارسين أنفسهم (المهندسين) خاصة مع وجود عدد 17 ألف مزور لشهادة الهندسة، إلا أن ذلك بدأ يتقلص مع ظهور ما يسمى بمزاولة المهنة، وكود البناء، وبعض الضوابط التي ستحد من تلك الاشكالية مبينا بأنه يجب أن يكون هناك تنظيم للمقاولين لأن غياب التشريعات والعقوبات سبب جوهري في تفشي الغش من ناحية مكافحة الغش ممن يبيع المواد المغشوشة خاصة مع تخلي بعض الجهات الرقابية عن دورها حتى أصبح المواطن ضحية يقاوم هذا الغش بمفرده برفع القضايا في المحاكم، ولذلك فمكافحة الغش في البناء لا يحتاج إلا لقوانين وتطبيق عقوبات مباشرة من التنفيذين ويحال إلى الرقابة والتحقيق فورا فلا يحتاج أن يعطى مجال لأن يترافع ويضيع حقوق الناس، مبينا بأننا في دور البناء والتطوير، وقد يتم القضاء على هذه الظاهرة ولكن تطبيق العقوبات هو الحل. وأشار -الدلبحي- بأن الوسيلة الوحيدة في استرداد المتضرر لحقوقه في اللجوء إلى القضاء والقضاء يحتاج إلى عدة ضوابط ومدة زمنية، فيعطى الحق للطريف أن يدافع عن نفسه إلا أن المتضرر يحق أن يرجع لأمرين، الاول يكمن في أن يضبط من خلال خبراء في أساس المشكلة فقد تم اكتشاف مؤخرا غش بسوء الصيانة وسوء الاستخدام وهذه تركوها أصحابها تستمر حتى أحدثت مشاكل فهي تحتاج لصيانة ومعالجة فورية ولذلك فنحن نخشى أن الناس تفسر سوء الصيانة أنه غش تجاري وهذا غير دقيق، كما يستطيع أن يلجأ المتضرر إلى إدارة مكافحة الغش في وزارة التجارة وفي حال عدم وجود تجاوب من قبل وزارة التجارة يمكن هنا اللجوء إلى القضاء وهي الجهة المخولة بأنصاف المتضرر. وشدد -الدلبحي- على أننا يجب أن لا نلوم من يستثمر الغش بل نلوم من يعمل الغش، فحينما نبحث في بعض الدول المتقدمة عن أشخاص ينفذون عملا مغشوشا فأننا لن نجد ! إنما تعطى إلى المروج أو ما يسمى بصغار المستثمرين الذين يسمون مروجي الغش، فنحن يجب أن نقضي على أساس الغش وهو منفذ الغش ولذلك فالعقوبة تعود إليه، فيجب أن تكون هناك قوانين تلاحق من ينتج مواد مغشوشة أو من يعمل تصميم مغشوش سواء من مهندسين أو مصممين وهنا لن يجد المروج الغش ليروج له. ضعف المواصفات ويرى البرفسور الدكتور ناصر عبدالرحمن الحمدي -عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود كلية العمارة والتخطيط قسم العمارة وعلوم البناء- بأن حدوث بعض المشاكل في البناء من فلل وشقق وعمارات ومنشآت تعليمية وإدارية يعود السبب الاساسي بها إلى عدم جودة البناء والاشراف الهندسي أثناء التنفيذ والالتزام بالمواصفات حسب الرسومات والشروط والمواصفات للمشروع سواء سكني أو تجاري أو تعليمي، ويعتمد الغش التجاري في المباني التجارية بالذات على عدم مراعاة الجودة واعتمادهم على الربح المادي لتقليص جودة مواد البناء والتي بدورها أحدثت هذه المشاكل التي لا تظهر إلا بعد التنفيذ واستكمال المشروع، فهناك الكثير من المباني التي لم يراع فيها جودة البناء، وبالتالي حصل الغش الواضح والذي يتمثل في انهيار المبنى أثناء التنفيذ مثل الاسقف والحوائط وهبوط في الاساسات وتشققات الحوائط وهذا يجعل المباني التجارية منتجها ضعيف ومريض. وأوضح -الحمدي- بأن الإشكالية تكمن في جودة الشروط والمواصفات للمنشأة، وكذلك الإهمال في المتابعة والإشراف على التنفيذ، وأيضا عدم مخافة الله سبحانه وتعالى في الالتزام بالأنظمة والمواصفات من قبل المقاول والمشرف، فحينما يغيب الإتقان في الإشراف والتنفيذ فهنا تحدث المشكلة ولذلك فإن الجهة المخولة بالمراقبة هنا تتمثل في المشرع الاساسي وهي الجهة المسؤولة في وضع الشروط والمواصفات ووثائق التنفيذ فإذا لم تتابع بدقة ويتم مراقبة الإشراف مراقبة دقيقة ثم لا يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى حتى يتم التدقيق عليها في البناء، ويتم تطبيق المراجعة وتطبيق ما هو موجود في الوثائق فإذا غابت تلك المراقبة بدأت المشاكل في سلسلة الغش التجاري من البناء حتى الاستلام النهائي للمشروع ثم المتابعة بعد التسليم لأن هناك بعض المشاكل التي تحدث بعد الانتهاء والتسليم وربما تكون غير متعمدة كنزول الأمطار خلال الأسقف فيحدث هبوط في الأساسات نتيجة عدم التثبت من الأرضيات وغيرها وهي أحد المشاكل التي تواجه البناء في العملية التنفيذية. انتشار مواد البناء المغشوشة في الأسواق ظاهرة التأكيد على محاسبة المقصرين في البناء