يثير التقارب السعودي التركي عدة مخاوف لدى بعض الدول التي تشترك معهما جغرافياً وتاريخياً في تحديد مصير المنطقة، وهي مخاوف ناتجة عن طبيعة علاقة تلك الدول مع الرياضوأنقرة، فالواضح أن التقارب السعودي التركي ليس من صالح إيران ولا العراق، وليس مريحا لبعض الدول العربية، وكذلك من الواضح أن طبيعة العلاقات بين هذه الدول التي تعارض التحالف السعودي التركي تختلف في تاريخها ومصالحها في المستوى بين أنقرةوالرياض، فطهران من حيث التبادل التجاري هي أقرب لتركيا منها للمملكة، والعراق اتفاقياته الأمنية مع تركيا أعمق وأكثر استمراراً مع السعودية، والدول العربية الأخرى انسجامها مع السعودية أكثر من تركيا.. فالتحالفات السياسية لا يمكن أن تفصلها عن التحديات التي تتعرضها من الدول والمواقف، إلا أن التحالف السعودي التركي جعل من الاعتراضات التي تقف في طريق استمراره برهانا على واقعية وجوده، فالمشروع الإيراني التوسعي يشكل خطرا على الدولتين ولا يمكن مواجهته إلا من خلال عمل دبلوماسي نشط يحرك المصالح من اتجاه نحو اتجاه آخر، وإجلاء السنة من العراق تحت ذريعة محاربة الإرهاب ليس تحدياً يواجه الدولتين، بل يقع ضمن التحالف بينها الذي يقضي محاربة الإرهاب كعمل متطرف، وليس كعمل سياسي قائم على البعد الطائفي. فالعراق ومستقبله السياسي سيكون أولوية للرياض وأنقرة بهدف إعادته لوحدته الوطنية، بعيداً عن سياسات التقسيم والاحتراب الطائفي، وفي سورية وهو الملف الساخن والخطير، عملت الدولتان على دعم خط مواجهة ضد التواجد الإيراني، وتقسيم سورية وفقاً لاعتبارات عرقية وطائفية، أما تصفير الخلافات بين مصر وأنقرة فتعد قضية ثانوية لا تتطلب من المملكة موقفاً يكون مع أو ضد هذه الدولة أو تلك، فالخلافات المصرية التركية ليس نتيجة التقارب بين أنقرةوالرياض، بل الأمر يتعلق بطبيعة النظام في مصر وموقف أنقرة منه، وهذا ملف سوف تطويه حركة العلاقات بينهما إن استطاعا توحيد الرؤى حول سورية وبعض المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان في مصر. زيارة الرئيس التركي للرياض ليس رسالة موجهة لمن يعارض هذا التقارب، ولكنها زيارة تؤكد على تعزيز التحالف الإستراتيجي بين الدولتين، وكذلك تفتح الباب أكثر من السابق للمعرضين رؤية مصالحهم في هذا التحالف، فالعراق له مصلحة مباشرة مع المملكة وتركيا وكذلك سورية وروسيا ومصر، خاصة أن هذا التحالف له صفة عسكرية متمثلة بالشراكة في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وكذلك موقف المملكة المطابق لموقف تركيا من الجماعات الكردية الانفصالية، فالمملكة وتركيا أصبحتا جهة آمنة يتوجه لها كل من ينشد الأمن والاستقرار.