تشهد العلاقات الأميركية الإيرانية تدهوراً ملموساً منذ بداية حكم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في تبدّل واضح وصريح مقارنة مع الأعوام الثمانية المنصرمة للرئيس باراك أوباما الذي رعى توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الخمسة زائد واحد. ولعلّ الردّ الأميركي التصعيدي ضدّ التجربة الصاروخية الإيرانية أخيرًا واتهام طهران بانتهاك قرارات مجلس الأمن الدولي، يشي بما يعتري العلاقات من توتّر، بالإضافة الى منع الإيرانيين من دخول الأراضي الأميركية من ضمن الدول السبع التي حظر ترامب دخول رعاياها الى بلاده لثلاثة أشهر. لكنّ يبدو بأن الموقف الروسي متناقض مع الأميركيين، في حين تنظر الدول الخليجية التي طالما اشتكت من تدخلات إيران في ملفات المنطقة بعين الرضا الى الإدارة الأميركية الجديدة. فكيف ستتطوّر الأمور بين طهرانوواشنطن؟ وكيف للخليج أن يستثمر هذه العلاقة المتردية لصالحه؟ إضاءة على هذا الموضوع مع أستاذ العلوم السياسية من الإمارات العربية المتحدة ورئيس المجلس العربي للعلوم الإجتماعيّة الدكتور عبدالخالق عبدالله: *مع بداية عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب هل نشهد مرحلة جديدة من المواجهة الإيرانية الأميركية؟ -المؤكد بأن العلاقات الأميركية الإيرانية سوف تتجه من سيئ الى أسوأ في الأعوام القادمة، وذلك لأن إدارة ترامب تنسف كل ما قامت به إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. نحن نشهد عملياً إعادة عقارب الساعة الى ما قبل أوباما في تعامل واشنطن مع طهران، لأن إدارة ترامب تعتبر بأن إيران قد تجاوزت خطوطاً حمراء كثيرة، وهي لن تعطي بعد اليوم أيّ ضوء أخضر أو أصفر من أجل التمدّد والعبث بالمنطقة أو تحدّي أميركا. هذا يعني عملياً بأن الموازين مختلّة تماماً لغير صالح إيران، وأي خطأ ولو بسيط منها في التقدير سيؤدي الى مواجهة ولو بسيطة أو محدودة. *هل التدهور في العلاقات الأميركية الإيرانية هو شكلي أم أن التعاطي الأميركي سيكون مختلفاً مع إيران طيلة عهد الرئيس ترامب؟ -أعتقد بأن إدارة ترامب مزمعة أن تعيد عقارب الساعة إلى الصفر في العلاقات الأميركية الإيرانية وأن تنسف كل ما قام به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خلال الأعوام ال8 أعوام الماضية بشكل كلي بما في ذلك ربّما إلغاء الاتفاق النووي وتصعيد المواجهة مع إيران ووقف تمددها في المنطقة، فنحن أمام نهج جديد وصارم ومختلف كلياً وجوهرياً. *هل يمكن للرئيس الأميركي إلغاء الاتفاق النووي؟ -كان الاتفاق النووي اتفاقاً وليس معاهدة، وقد وقعه الرئيس الأميركي السابق، ويمكن للرئيس الذي يخلفه ان يلغيه، فهو ليس معاهدة ولم يحصل على موافقة على الكونغرس، وقد راهنت إيران على التزام من سيخلف أوباما بالاتفاق، ويبدو بأنها راهنت على الحصان الخاسر لأن بإمكان ترامب أن يلغي الاتفاق النووي نهائياً بتوقيع منه. *من الواضح أن روسيا لا تتقاسم الموقف الأميركي ضدّ إيران، وقد ظهر الأمر جلياً في تصريحات المسؤولين الروس حول التجربة الصاروخية الباليستية، وقد رفضت موسكو اتهام ترامب لإيران بأنها "راعية للإرهاب"، كم يؤثر هذا الموقف الروسي على إدارة ترامب؟ -ستكون إيران ورقة تفاوضية في أي نقاشات قادمة بين موسكووواشنطن. من الواضح بأن روسيا تريد الاحتفاظ بمشاغبات إيران، أما أميركا فلن تقبل بالمزيد من مشاغباتها، وباعتقادي أن الطرف الأقوى في المعادلة سيفرض بعض وجهات نظره. بتقديري أنه ليس على روسيا الاختيار بين أميركا وإيران، إنما عليها أن تقدّر بأن الورقة الإيرانية ستصبح من الآن فصاعدا عبئاً سياسياً وليس رصيدا استراتيجيا لها. *كيف يمكن للخليج أن يفيد من التردي القائم في العلاقات الأميركية الإيرانية؟ * إن دول الخليج مرتاحة لبدايات عهد ترامب لأن الرئيس السابق باراك أوباما كان منحازاً لإيران وكان يراهن على تقوية التيار الإصلاحي المعتدل، في حين أن ترامب لا يؤمن بذلك ولا تعتقد إدارته أن هنالك إصلاحيين ومعتدلين في إيران، وهذا أمر إيجابي جدّا من وجهة نظر دول الخليج التي تؤيد الحسم في اتجاه إيران، وإذا كانت أميركا معنا في هذه الجبهة فلها الشكر. * كيف سيؤثر هذا النهج على المقاربة الأميركية لملفات المنطقة من سورية الى العراق فاليمن؟ * أعتقد أننا أمام عهد وأسلوب جديدين فيه عودة الى ما قبل أوباما بمعنى أن أميركا ستقترب أكثر الى حلفائها التقليديين وستتعاون معهم في ملفات المنطقة أكثر مما قامت به إدارة أوباما، وستتعاطى في الوقت عينه تصعيديا مع إيران وقد نصل كما ذكرت الى مستوى إلغاء الإتفاق النووي بما له من تداعيات، علما بأن الولاياتالمتحدة الأميركية تتحيّن ايّ فرصة لتوجيه ضربة عسكرية ولو محدودة لإيران من أجل تحقيق إعادة الهيبة لأميركا لدى الأصدقاء والأعداء. *ماذا يطلب الخليج تحديداً من الولاياتالمتحدة الأميركية في ما يخص الملف الإيراني؟ * المزيد من العقوبات الاقتصادية والمزيد من عزل إيران وتحجيم دورها في المنطقة العربية لأنها تمددت أكثر من حجمها الطبيعي، أما كيف سيتم ذلك؟ فعلى واشنطن أن تقرر. نظام خامنئي في المنحدر كما أكد مختصون في الشأن الإيراني بأن ملامح إدارة السياسية الأميركية تجاه إيران تركز على إصلاح ما أفسدته الإدارات السابقة بتراخي ضد التدخلات الإيرانية في شؤون البلدان ونشر الزعزعة والإرهاب. وقال ل"الرياض" الباحث في العلاقات الدولية في لندن الأحوازي د. جعفر الهاشمي بأن أولى ملامح التوقعات حول السياسية الأميركية الجديدة تجاه إيران وحدة الدوافع والتي ظهرت في حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتخابية وتوجهات أعضاء فريق إدارته وما اتخذه من قرارات، ونستنتج ان أولويتها تكمن في التركيز على إصلاح ما افسدته إدارتا بوش وأوباما، وبما أن معظم ما يحدث في الشرق الأوسط كان بسبب تدخل أو عزوف وتراخي دور الإدارات الأمريكية السابقة فطبيعي أن تكون إيران هي المحطة الأولى لتلك الإدارة، ومن جانب آخر أيضاً الجانب الإيراني أيضاً يعاني من أزماته الداخلية وأن ديمومة سلطته مرهونة لتحقق مشروعه التوسعي في الاقليم، إذ أن الأدوات الوحيدة التي يستطيع خلالها تطويق شعوبه الرازحة تحت نير اضطهاده التي يتذرع ويتهرب بها من مسؤولياته أمام هذه الشعوب، والورقة التي تؤهله للمحاصصة وتقاسم النفوذ في المنطقة هي افتعال الأزمات وتأجيج الصراعات وتمزيق الأوطان المحيطة به خاصة العربية منها، وذكر بأن من يتابع تطورات العلاقات بين أمريكاوإيران طيلة العقود الأربعة سيجد أن واقعها المبطّن يتخذ مساراً متناقضاً تماماً مع ظاهرها الملتهب والمشحون بالشعارات الرنانة والتهديدات وحتى القرارات والتصريحات الرسمية شعار "أمريكا الشيطان الأكبر" و "الموت لأمريكا"، وتصريح جميع الخيارات مطروحة على الطاولة ومن بينها الخيار العسكري يشكلان الوجه المشترك بين ريغان وبوش وأوباما وترامب، لكن في التطبيق فإن الواقع الذي رسم حقيقة مسار هذه العلاقة ما كان "تحت الطاولة" وليس ما عليها، وشدد الهاشمي على أن النظام الإيراني نظام متصدع وفاشل داخلياً ودولياً على جميع الاصعدة وتحالفاته غير محصنة بعلاقات اقتصادية وسياسية عميقة فأي موقف دولي واقليمي حازم سيؤدي إلى تبدد كل أوهامه وطموحاته، كل ذلك يوحي بأن النظام في إيران يواجه منحدراً صعباً في ديمومة مساره التوسعي في الاقليم، وحتى الآن قد فشل في تجسير واحتواء الإدارة الأمريكية الجديدة وسيواجه واقعاً قاسياً قد يرغمه على تقزيم دوره. فيما أوضح الباحث السياسي الإيراني أ. سوران خدري بأن ردة فعل الإدارة الإيرانية محدودة ومقيدة، لأن إدارة ترامب لا تسعى لتدمير هيكلة النظام الإيراني وإيجاد تغيير هيكلي في النظام القائم، وأكد بأن الرئيس الأميركي ترامب يحاول منع إيران من الوصول إلى محيطات وتشكيل الهلال الطائفي بالمنطقة، ولكن هذا لا يعني بأن النظام الإيراني سيمتنع عن استخدام آليات عمله أو نفوذه في سورية واليمن ولبنان والعراق ضد بعض سياسات الولاياتالمتحدة ومن أجل الحفاظ على بعض مكتسباته العسكرية في العراق وسورية ولبنان واليمن، وأكد بأن أول خطوة لإيران هي تعقيد الوضع السياسي والأمني في دول المنطقة، وإثارة الاضطرابات في جميع دول منطقة الشرق الأوسط، وقال: الإيرانيون لا يملكون مقومات أساسية في اليمن كما هو الحال بالنسبة لهم في العراق وسورية ولبنان. د. جعفر الهاشمي سوران خدري