من يتابع مختلف التعليقات والتحليلات التي قُدمت حتى الآن بشأن التوتر الجديد بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران بعد إقدام هذا البلد الأخير على إطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى يوم التاسع والعشرين من شهر يناير الماضي، يلاحظ أن أهم الأسئلة المتكررة التي يطرحها المعلقون على الموضوع ومحللوه هي الأسئلة التالية: ماهي أهم العوامل الأخرى التي سهلت هذا التوتر؟ إلى أي حد يمكن أن يتجاوز التصعيد حدود التصريحات النارية التي يطلقها كلا الطرفين على بعضهما البعض؟ ما أثره على الاتفاق النووي الذي كانت إيران قد أبرمته في يوليو من العام قبل الماضي مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا؟ ما هي انعكاسات استمرار هذا التصعيد على المدين القريب والمتوسط على منطقتي الشرق الأوسط والخليج وشعوبها؟ وهناك شبه إجماع لدى الخبراء والمحللين السياسيين على أن إيران تعمدت إجراء تجربة صاروخ بالستي متوسط المدى بعد مضي تسعة أيام فقط على وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى الشرق الأوسط بهدف إطلاق بالون اختبار لنواياه تجاه سياسته ازاء مستقبل العلاقات الأمريكيةالإيرانية بعد أن هدد خلال حملته الانتخابية بإفشال الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني والذي كان قد وصفه بأنه "أسوأ اتفاق". كما جاءت تجربة إطلاق الصاروخ البالستي كرد فعل إضافي على المرسوم الذي وقعه دونالد ترامب بعد أسبوع فقط على استلام مهامه ومنع بمقتضاه رعايا ستة بلدان عربية وإيران من دخول الأراضي الأمريكية لمدة تسعين يوما في إطار ما يعتبره الرئيس الأمريكي إجراء وقائيا للحد من الإرهاب، علما أن السلطات الإيرانية قررت التعامل بالمثل مع الرعايا الأمريكيين الراغبين في زيارة إيران. وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة قد حرصت على التأكيد على أن العقوبات الجديدة التي فرضتها تطال عددا من الشخصيات والمكونات التي تساهم في مساعدة إيران على تطوير صواريخ بالستية وأن ذلك لا علاقة له بالاتفاق النووي الإيراني، فإن اللهجة الحادة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية الجديدة وردود الدول الغربية الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي أظهرت بشكل أو بآخر أنه لا يمكن تجاهل العلاقة بين الاتفاق حول البرنامج النووي من جهة واستمرار إيران في إطلاق صواريخ بالستية من جهة أخرى. فإيران كانت قد قبلت بموجب هذا الاتفاق بتمديد العقوبات المفروضة عليها من قبل الأممالمتحدة لمدة ثماني سنوات. وكل البلدان الغربية التي وقعت على الاتفاق النووي ذكّرت إيران بعدد من مواد الاتفاق ومنها مثلا المادة الثامنة في ديباجته والتي تنص على ضرورة تعهد الأطراف الموقعة عليه " بالنأي عن النفس عن أي عمل غير متوافق مع رسالة الاتفاق ومع "فحواه وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تقويض تطبيق الاتفاق بشكل ناجح". والحقيقة أن واشنطن والعواصم الغربية الأخرى سارعت إلى التذكير بأن إيران أخَلَّت بهذا البند من خلال إقدامها بعد التوقيع على الاتفاق النووي على القيام بعدة تجارب صاروخية بالستية لا بتجربة واحدة وبعد صدور تصريحات كثيرة عن مسؤولين إيرانيين منهم وزير الدفاع بأن بلاده ستمضي قدما في هذه المساعي مما جعل وزير الخارجية الفرنسي جان جاك أيرولت يقول أمام نظيره الإيراني خلال الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى طهران بأن "فرنسا أعربت مرارا عن قلقها إزاء استمرار التجارب البالستية التي تُعيق إعادةَ بناء الثقة التي أرساها اتفاق فيينا". وقد حاولت إيران الرد على هذه الحجج التي قدمتها فرنسا والبلدان الغربية الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي لرفض التجارب البالتسية الإيرانية فرأت أنه من حقها الاستمرار في مثل هذه التجارب بموجب القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي أي الطرف الضامن لاتفاق فيينا. ولكن الخبراء المهتمين عن كثب بهذا الملف يقولون إن من يعود إلى هذا القرار يهتدي إلى أن الأمر غير ذلك. فهو يدعو إيران "لعدم القيام بتجارب إطلاق صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية". وصحيح أن إيران كررت أكثر من مرة قبل بدء المفاوضات حول برنامجها النووي وخلالها وبعدها أنها لا تريد استخدام الذرة لأغراض عسكرية. ولكن تاريخ الصناعات والمعدات والأبحاث المتعلقة بالذرة يُظهر أن البلدان التي تمكنت من السيطرة على الذرة استخدمتها لأغراض سلمية. ولم تمتنع عن استخدامها في المجال العسكري أو أنها أدرجتها على الأقل في استراتيجياتها العسكرية. ويضيفون قائلين إن مجلس الأمن الدولي هو الهيئة المخولة للبت في ما إذا كانت الصواريخ البالستية التي تطلقها إيران قادرة أو غير قادرة على حمل رؤوس نووية. أما بشأن قدرة دونالد ترامب على تعطيل اتفاق إيران النووي، فإن كثيرا من خبراء الجيوستراتيجيا يرون أن ذلك غير ممكن لأن الاتفاق لم يبرم بين إيرانوالولاياتالمتحدة ولكن بين مجموعة من البلدان بينها الولاياتالمتحدة برعاية منظمة الأممالمتحدة. ويدعون الرئيس الأمريكي الجديد للتريث لأن السعي إلى الانخراط في مسعى تعطيل الاتفاق يؤدي إلى عواقب وخيمة على الولاياتالمتحدة وعلى إيران وعلى منطقتي الشرق الأوسط والخليج. ويمكن حصر بعض هذه العواقب في النقاط الثلاث التالية: أولا: إدراج الولاياتالمتحدة في طريق محفوفة بالمخاطر والحال أن الرئيس الجديد يلح على مقولة مفادها أن أولوية أولوياته هي الاهتمام بتحسين أوضاع الشعب الأمريكي الاقتصادية والاجتماعية. ثانيا: إضعاف قدرة الأسرة الدولية على إحكام المراقبة على إيران كي تلتزم التزاما كليا ببنود اتفاق البرنامج النووي وروحه والحيلولة دونها ودون التدخل في شؤون البلدان المجاورة لها وبخاصة البلدان العربية الخليجية. ثالثا: إدراج منطقتي الشرق الأوسط والخليج في أجواء متوترة وغير مستقرة أكثر مما هي عليه الحال اليوم والتالي الحد من الجهود الجبارة الضرورية التي تحتاج إليها المنطقتان للقيام بالإصلاحات الضرورية الواجب اتخاذها لتحسين أوضاع سكان المنطقتين والذين يطمحون كلهم إلى الكرامة ورغد العيش.