حتى مئة عام مضت، لم يكن أجدادنا يحتاجون لكل السلع والكماليات والمنتجات التي نستهلكها اليوم.. لم يكونوا يحتاجون لمواد بلاستيكية، ولا مركبات كيميائية، ولا أجهزة تقنية، ولا منتجات صناعية تستنزف موارد الأرض بشكل مخيف.. لم يكونوا يحتاجون لنفط تكون في باطن الأرض خلال ملايين السنين (ومن بقايا مخلوقات لا يمكن حصرها) نحرقه نحن خلال يومين في السيارة.. كانوا رفقاء بالبيئة لا ينتجون نفايات "غير عضوية" تبقى على حالها لملايين السنين ولا تعود للتحلل ضمن مكونات الأرض.. قبل اكتشاف القارة الأمريكية كان يعيش فيها أربعون مليون إنسان (من قبائل الهنود الحمر) لم يشكلوا عبئا على موارد الأرض.. ولكن بمجرد قدوم الأوروبيين اقتلعت الغابات، وحفرت المناجم، وامتدت الطرقات، وشيدت المصانع، واختفت ثيران البايسون.. تغير وجه الأرض تماما (كما تغير وجه أوروبا مع بدء الثورة الصناعية) لأن الأوروبيين يتبنون اقتصادا يقوم على الاستهلاك المفرط والإنتاج المستمر.. وفي المقابل لم يكن الهنود الحمر يعرفون شيئا يدعى تملك الأرض، أو تصنيع الموارد، وكانوا يستهلكون ما يكفي حاجتهم فقط (والأهم من هذا؛ أن نفاياتهم كانت عضوية تعيد للأرض ما استهلك منها).. كانوا جميعهم بشرا يعيشون ويأكلون ويتناسلون؛ ولكن الفرق أن الهنود الحمر يتبنون اقتصادا متوازنا بيئيا، والأوروبيون اقتصادا يطلب الاستهلاك المستمر (لضمان الإنتاج المستمر).. واليوم أصبح النموذج الثاني هو السائد في العالم كله لدرجة تناقصت الموارد، وانقرضت المخلوقات، وأصبح هواء الصين مشبعا بأدخنة المصانع، وكوكب الأرض مهددا بالوفاة بعد مئتي عام من الآن (بحسب نسب الاستهلاك الحالية).. لم يعد بإمكاننا التوقف اليوم، لأننا نعيش ضمن نمط استهلاكي وثقافة تَملُّك لا تترك لأحد فرصة التجاهل أو التخلف.. العالم كله أصبح يستنزف خلال وقت قصير موارد طبيعية تشكلت خلال ملايين السنين أو خلقت مع الأرض ذاتها.. نفعل ذلك (ليس لأن وجودنا يعتمد على ذلك) بل لأننا أصبحنا نعيش ضمن نمط اقتصادي يتطلب استهلاكنا المفرط والمستمر للسلع.. دخلنا في حلقة رأسمالية مغلقة تنبأ بها آدم سميث عام 1685 حين قال في كتابه ثروة الأمم: "سيصبح الاستهلاك هو الغاية من كل عمليات الإنتاج، ورخاء المُنتج سيرتبط مستقبلا بحرصه على رخاء المستهلك".. وأنا في هذا المقال لا أطالبك بتغيير نظام الاقتصاد العالمي، ولكنني أطالبك بتخفيض نصيبك من كوكب الأرض.. يمكنك فعل ذلك من خلال تخفيض حصتك من استهلاك الطاقة، ومواد التغليف، وحجم النفايات، وشراء أحدث الإصدارات، ورفض المنتجات المدمرة للبيئة أو غير القابلة للتحلل (كشراء الحطب المحلي أو استخدام الأكياس البلاستيكية).. أطالبك بألا تتحول إلى (ترس في آلة) أو يتحول "الشراء" إلى متعة تتطلب ترددك على الأسواق..