لم يكن رد فعل وزير الخارجية الفرنسي جون مارك إيرولت على تجربة النظام الإيراني بإطلاق صاروخ باليستي مفاجئاً، بل جاء في الإطار الصحيح، فاستنكاره لهذا التصعيد الخطير أمر متوقع حتى وإن كان إعلان هذا الموقف من قلب طهران. إيرولت كسر حاجز المجاملة الدبلوماسية رغم أنه كان في زيارة لإيران على رأس وفد اقتصادي كبير في محاولة للفوز بحصة من كعكة الاتفاق النووي، حيث أكد على القلق الفرنسي حيال مواصلة إيران للتجارب الباليستية، مشيراً إلى أنها تعرقل عملية إعادة الثقة التي وضعها اتفاق فيينا، وهو ذات الاتفاق الذي قبيل ساعات من هذا الحديث كان يطالب باحترامه ولكن في اتجاه آخر، في إشارة إلى موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذا الاتفاق. هذا الموقف المعقد قد يتكرر من الساسة الأوروبيين تجاه إيران واتفاقها النووي عند عقد أي صفقة، فمصافحة الملالي في طهران ستكون بأيدٍ مرتعشة في كل مرة خوفاً من الحرج الذي يسببه السلوك العدواني للشريك التجاري المنتظر، خاصة مع تصاعد نبرة التهديد القادمة من واشنطن لوقف العبث الإيراني في الشرق الأوسط، وفي وقت تواجه فيه دول القارة العجوز موجة شعبوية جديدة قد تعيدها إلى عصور ما قبل الاتحاد. طهران لن تخرج فيما يبدو من دائرة الشك التي لازمتها خلال العقود الماضية طالما كان الحرس الثوري ورموزه هم المتحكمون في مفاصلها السياسية، ففي كل يوم يخرج إما قاسم سليماني جنرال الموت في العراق وسورية، أو سلفه محسن رضائي الذي يحاول تجميل صورته كرمز للهزيمة في حرب الثماني سنوات، وغيرهما من جنرالات الحرب بتهديدات ودعوات لحرق المنطقة، ومعها أوراق الاتفاق الذي لا يعرف سوى موقعيه في فيينا الجدوى منه.