ما أن تولى دونالد ترمب الرئاسة في الولاياتالمتحدة حتى وقَّع أمراً تنفيذيا بالبدء في إنشاء سور عملاق على الحدود مع المكسيك، وهو الوعد الذي قطعه لمناصريه خلال حملته الانتخابية المثيرة للجدل. غالباً ما يتخلى المرشحون عن الكثير من تلك الوعود، إلا أن ترمب التزم بوعده حتى فيما يتعلق بالضغط على الجارة الجنوبية لتمويل هذا الجدار، ولا أعلم إلى أي مدى قد يستمر في ذلك. جدار المكسيك.. ليس هو ما يدعو إلى القلق حتى لدى مافيا التهريب، وتجار المخدرات، فهو مجرد حاجز يمكن الالتفاف عليه بالكثير من الطرق والوسائل التي قد تجعل منه معلماً سياحياً لا أكثر كسور الصين العظيم، ما يدعو إلى القلق الحاجز الأكبر الذي زرعه ترمب بين بلاده والعالم، الذي كان ينظر إلى الولاياتالمتحدة كحامية للديمقراطية ونموذج للتعايش السلمي بين ملايين البشر الذين هم في الأساس مهاجرون تعود أصولهم إلى معظم أنحاء الكرة الأرضية. وصل إلى البيت الأبيض 44 رئيسا إلا أن الرئيس الخامس والأربعين يختلف تماماً عمن سبقه، لا خلفية سياسية ولا خبرة في مجال العمل الحكومي، ورغم نجاحاته في مجال المال والأعمال. كل ذلك جعل من ترمب رجل أعمال أكثر من أي شيء آخر، فهو لا يزال حتى بعد توليه منصب الرئاسة ينظر إلى أي قضية من منظور الربح والخسارة، حتى لوكان ذلك على حساب القيم والمبادئ التي قامت عليها الولاياتالمتحدة وهذا ما بدا جليا خلال الأيام الأولى من فترته الرئاسية. من هذا المنطلق يمكن توقع سياسة الرئيس الجديد في المنطقة والعالم خلال السنوات الأربع المقبلة التي ستشهد التخلي عن الكثير من الاتفاقات الدولية خصوصاً في مجال التجارة البينية، وهدنة غير معلنة وتقاسم للنفوذ مع روسيا التي وضعت يدها منذ البداية على الأراضي السورية، ودعم لا محدود لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تشجيع الاستيطان ونقل سفارة واشنطن إلى القدس، وممارسة المزيد من الضغوط على إيران ليس للوقوف في وجه ممارساتها المشبوهة، وبرنامجها النووي بل لاحتلال أسواقها، واستغلال أموالها المجمدة في البنوك الأميركية. في مجال مكافحة الإرهاب .. سنشهد ظهور المزيد من التنظيمات المتطرفة التي ستجد في خطاب الكراهية الذي يتبناه ترمب وقوداً للتجنيد، وتبرير القتل الذي بدوره سيقود إلى المزيد من العنف والدمار. يبقى الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط بانتظار ما ستسفر عنه الأشهر الأولى للرئيس الجديد في البيت الأبيض، وما إذا كان السيد ترمب سيدرك بأن السياسة لا تدار بعقلية تلفزيون الواقع وأن أميركا لن تكون عظيمة أبداً بالسطو على مقدرات الشعوب.