قبل أكثر من ستة أشهر قرر غالبية البريطانيين في استفتاء شعبي الخروج من الاتحاد الأوروبي، قرروا الانسلاخ من تبعية بروكسل والانطلاق في التعامل المباشر مع العالم، قرروا توطيد علاقات المملكة المتحدة مع الشركاء والأصدقاء، بدلا من التقيد بشروط بروكسل التي ربما أبطأت الوثبة البريطانية إلى الفضاء العالمي، وأنا هنا أؤكد أن هذا الخروج ليس طلاقا بائنا، بل إعادة صياغة العلاقات مع أصدقائنا وشركائنا في الاتحاد الأوروبي. لقد اتخذ غالبية البريطانيين القرار مع علمهم بوعورة الطريق للوصول إلى بريطانيا التي يريدون. قرروا الاستعانة بإرث بريطانيا التاريخي والثقافي وثقلها الصناعي أن يجعلوا بريطانيا أكثر ازدهارا وأمنا وتسامحا وانفتاحا. يريدون أن تكون بريطانيا مقرا لكل اختراع، ومركزا لكل إبداع ومقصدا لكل سائح، وملاذا وعونا لكل صديق، ومدرسة وجامعة لكل طالب ينشد السمو والارتقاء في عالم الأعمال، ومنطلقا لكل ما يصنع الفرق في عالم ينقصه الأمن والأمان. التعليم هو سلاح التقدم، والملهم لكل اختيار والمزيل لدواعي القلق، وانطلاقا من إيمانها بأهمية التعليم، فقد كرست الحكومة البريطانية جهدها للارتقاء بجودة التعليم العام والجامعي. فبريطانيا بيت لأفضل جامعات العالم قاطبة ففيها يدرس ما يقرب من نصف مليون طالب من مختلف دول العالم، وهي بذلك ثاني أكبر مقصد للطلاب في العالم. فالطلاب الأجانب يثرون المجتمع البريطاني بثقافاتهم، كما أنهم ينهلون من ثقافات زملائهم الذين جاؤا إلى بريطانيا من كل حدب وصوب. التكتلات التعليمية البريطانية موجودة تقريبا في كل مكان، والهدف من ذلك ليس فقط دعم الأبحاث أو نشر كل جديد عن الاكتشافات العلمية أو حتى توأمة الجامعات البريطانية مع الجامعات المحلية، بل الهدف الرئيسي يكمن في التواصل الثقافي المباشر وبناء الجسور وتهيئة الفرص للطلاب الذين تمنعهم ظروفهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى الثقافية من الدراسة في بريطانيا. إن المملكة المتحدة تولي موضوع الشراكة في قطاع التعليم أهمية قصوى، وخصوصا في الدول النامية، وقد لوحظ مؤخرا أن الطلاب الذين يدرسون في الجامعات التي لديها شراكة مع الجامعات البريطانية يسهمون وبشكل كبير في زيادة الناتج المحلي لبلادهم وبالتالي توسيع قاعدة الطبقة المتوسطة. أشعر بالفخر لأن حكومتي وجامعات بلادي مستمرون في إعطاء التعليم سواء داخل بريطانيا أو خارجها الأهمية القصوى، وهنا أود أن أؤكد أن غالبية المؤسسات التعليمية ومؤسسات التعليم الجامعي حريصة على أن يكون لها تواجد خارج بريطانيا حيث تقول الإحصاءات إن 4 من كل 5 مؤسسات سيكون لها تواجد خارج بريطانيا خلال الثلاث سنوات القادمة، وهذا ليس فقط لمجرد التوسع الجغرافي ولكن أيضا دعما لتطوير المناهج وتلبية لرغبات شراكئنا في تقديم البرامج المتخصصة التي تسهم في إحداث نقلة نوعية في القدرات العملية للخريجين وثقل مهاراتهم ومن ثم ملاءمتهم لسوق العمل. كلنا يعلم أن رؤية المملكة وبرنامج التحول الاقتصادي الذي أطلقه صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد تركز على بناء القدرات وتوسيع التخصصات لتخريج رواد الأعمال، وهذا بلا شك يحتاج إلى بيئة تعليمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بسوق العمل. * السفير البريطاني لدى المملكة