خدمت عائلة سحاب الأشقاء، الفلسطينية الأصل، الأكبر، إلياس وفيكتور وسليم، الغناء العربي كل واحد في مجاله، حين برع إلياس في النقد، والهوس بالمطرب والملحن محمد عبدالوهاب زعيم الحداثة الموسيقية، وأوغل فيكتور بالغناء الشعبي –كيلا أجير هوسه إلى الملحن زكريا أحمد-، وولع سليم سحاب الأكاديمي بالشرق والغرب، ومنجزاته العملية في إنشاء الفرق وتسرب المواهب من تحت يديه الذهبيتين. وعلى أنه استطاع الإخوة إنجاز كتاب كبير وجميل أسهم فيه إلياس وفيكتور، على أن صدى آراء سليم لا تخفى في ثناياه، "موسوعة أم كلثوم" (2003)، في ثلاثة مجلدات شملت سيرتها وأعمالها الغنائية والسينمائية والمسرحية- لم تصل إلى المكتبات إلا أنه يستقل كل واحد منهم بمجاله وإنجازاته. استطاع فيكتور أن يضع قدمه في أرض الغناء العربي بتخصصه عن تاريخها وتحقيق رسالة ماجستير موضوعها "السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة" (1987)، على عدم تكافؤ المواهب، وتناقض الاتجاهات اللحنية، وتعارض أساليب الغناء. وعلى أنه ما يحسب لفيكتور، بعد كتب موسيقية تربوية في القوالب الغنائية، مثل:"الأنواع والأشكال في الموسيقى العربية" (1997)، والموضوعات الغنائية، مثل:"أغنيات نزار قباني" (1998)، و"أثر الغرب في الموسيقى العربية" (1999)، اتجاهه إلى المدرسة الغنائية اللبنانية منذ منتصف العقد الأخير من القرن العشرين باستحداثه كتباً مخصصة لسير أعلام الغناء اللبناني، فتوالت بعد أولها "وديع الصافي" (1996)، ثم "زكي ناصيف" (2016) – كتبت عنه سابقاً-، والآن "الشحرورة: صباح" (2017). اعتمد في هذه الكتب على نظام نوعي في التأليف، يعتمد عظم الكتاب على حوار مطول مع الشخصية، وقوائم بأعماله الغنائية، وتحليل لبعض أغانيه. في هذا الكتاب"الشحرورة: صباح – نجمة النهضتين المصرية واللبنانية" (2107) يبني معظم حواره على فكرة أساسية بأن صباح أسهمت في النهضة الموسيقية المصرية، أي يقصد الربع الثاني من القرن العشرين، وهي ليست كذلك، فقد تجاوزت الموسيقى العربية هذا العصر الذي كان في القرن التاسع عشر، حيث ضبطت طرائق الغناء وأساليب التلحين وأشكال النصوص الشعرية على الفنون السبعة بنظام الوصلة أو النوبة أو السمرة، المتعارف عليها في حواضر الغناء العربي الكبرى مثل بغداد وحلب وتونس وتلمسان والكويت والمنامة وصنعاء، برز فيها أسماء كبرى مثل الملا عثمان الموصلي، وأبو خليل القباني، وعبدالله الفرج، ومحمد عثمان وسواهم، وما حدث خلال القرن العشرين، على استمرار نتائجها حتى الربع الأول، فإنه تبدى في التالي منه حداثة موسيقية قام بها جيل جديد حيث اختار منهم في كتابه "السبعة الكبار"، وما كان مجيء صباح إلى القاهرة أسوة بسابقاتها، توحيدة وماري جبران وبديعة مصابني –نشطت المسارح والصالات- ثم أسمهان ونور الهدى وسعاد محمد حيث نشطت الإذاعة والسينما، وإنما كانت صباح سلعة تجارية لأربع وسبعين فيلماً (1949-1980) أنتج أبرزها كل من المغني والملحن فريد الأطرش – صاحب أشهر ألحانها- والمغني والملحن محمد فوزي، والمنتجة آسيا داغر بالإضافة إلى عشر مسرحيات (1971-1997). وعلى أن صباح تتوازى بإمكانياتها الصوتية والتمثيلية المتواضعة مع مجايلتيها شادية وهدى سلطان، عدا أن الأخيرتين تطورت عندهما مهارتي التمثيل والغناء في حدوده الأدنى فيما لم تكن صباح تستطيع أن تجعل من رنين صوتها يملك الأذن بعد نهاية الأغنية أو الحضور، فلا تترك سوى صورة مبهرة من الأزياء والزينة وسيرة زيجاتها المتعددة وترويج هوسها بالحياة، فإنها توضع في مصاف وديع الصافي الذي يملك إمكانيات فيزيائية فحسب لم يعطها للغناء سوى بضعة ملحنين في أغان عابرة حتى أن ما دعاه بالنهضة اللبنانية الموسيقية في مقدمتها صوتيها فيروز ونصري شمس الدين. وبقيت صباح شحرورا يفوق لونه الأسود منقاره الأصفر