تمثل خطبة الجمعة قيمة دينية وتوعوية واجتماعية عظيمة ومنبرا للصوت الواعي المتزن الذي ينتظره المئات من المصلين كل أسبوع، ولذا كان لزاماً على من اعتلى المنبر أن لا يبحر في فضفضة وآراء وتحليلات تخدش هيبة المنبر، فالخطيب يضفي عليها من إشراقاته البيانية وأنواره الفكرية ما يعمق الفكرة في قلوب الناس ويولد التأثير نحوها، فالمقصود من الخطبة تذكير الناس وتوجيههم لعلاج مشكلاتهم وإرشادهم لتحقيق حياة فاضلة، حيث يمليها الشرع والعقل لا الأهواء ولا الأحزاب أو الجماعات ولا من نحب أو نجل أو نعظم، ومن ترجم عكس ذلك فقد خالف الشرع وجر إلى الفتن، وقاد إلى بلبلة المجتمع وتفككه وتفرق أهله، والخطيب كسائر البشر مثلما يتحرى الصواب ويبحث عن مواطنه، نجده مٌعرضا كذلك للخطأ والوقوع في المحاذير، فنجد من الخطباء من يقحم السياسة والمواقف حولها بالخطبة، وما يدعو ضمنيا إلى استغلال الظروف التي تمر بها البلاد بإقحام آرائه الشخصية منتقداً ومعترضاً، ليعين على شن حملات المغرضين، والترويج لها. لا تكن مفتاح شر وتحدث الشيخ إبراهيم الجطيلي -إمام وخطيب- قائلاً: إن على الخطيب التركيز على الأمور الشرعية وتبيان الحلال والحرام للمصلين، وأن ما قد يثيره بعض خطباء الجوامع أو الدعاة من أمور تسيء للبلد ولحكومته وأهله لا يجوز شرعاً ونظاماً، وكذلك لا يجوز الخوض فيما يتعلق بالأمور السياسية بتاتاً، إضافة إلى ما يثار في المنابر من كلام يمس بعض المسؤولين، وكذلك ما يسيئ إلى أشخاص بعينهم، منوهاً بأن من يخوض في هذه الأمور كمن يضع الزيت على النار ولذا يجب أن تكف يده ويمنع من إلقاء الخطب، مضيفاً: لا تكن أيها الخطيب مفتاحاً للشر بعد أن نلت هذا المنصب فقد ورثت المنبر عن رسول الله، وعليك بالاحتفاظ برأيك الشخصي لنفسك، مبيناً أنه اجتمع مؤخراً سمو أمير منطقة القصيم مع عدد كبير من الخطباء والأئمة والقضاة والدعاة بمنطقة القصيم بخصوص الموضوع نفسه، وبهدف التأكيد على عدم تهييج الناس ضد الدولة، وعدم الالتفات للجانب السيئ وإبرازه والتغاضي عن الجوانب الحسنة والمشرفة. وأوضح الشيخ عبدالله الجبر -خطيب- أن خطباء الجمعة يتحدثون وفق توجيهات إدارة الأوقاف والمساجد وبمواضيع يتم الحديث عنها، مؤكداً على أن الخطيب إذا تجاوز الخطوط المرسومة له يستبعد عن الخطابة فوراً، مشيراً إلى أن الخطيب ليس حراً بطرح ما يروق له سواء كان هذا الطرح يخدم توجهه أم لا. وجهة سليمة وقالت سعاد الخميس -أخصائية اجتماعية-: إن خطبة الجمعة لها دور فاعل في التأثير على المجتمع، وتوجيهه الوجهة السليمة والنهوض به إلى ما يعود عليه بالنفع العاجل والآجل، متى ما طبقت التطبيق الأمثل، وأعطيت حقها إعداداً وإلقاءً، مضيفةً أنه ليس كل من امتلك رأياً عليه أن يعلنه عبر مكبرات الصوت ليسمعه الملأ، في مكان هيأ للطمأنينة والراحة والسكينة لا لتأجيج المشاعر وشحن النفوس بما يعود عليهم وعلى دينهم ووطنهم بالعداء وكره الانتماء ونشر ما يسوء عن بلادهم وتحريض المحيطين بهم، مبينةً أن من يصطاد ويتحين فرصة وقوع البلاد في ظروف ومتغيرات ومنها على سبيل المثال الظروف الإقتصادية، فيفسر ويحلل وينتقد ويرفض، ومن ثم يؤجج ويفتح أبواباً للتطرف، فيقع في الإثم وارتكاب المحرم، ويتسبب في جلب الشر للبلاد والعباد، ويفسد على نفسه فيغضب الله، ويحرمها شرف الصعود إلى المنبر، لذا حرم الإسلام كل سلوك أو فعل أو قول أو فكر أو رأي يؤدي إلى إثارة الفتنة في المجتمع الإسلامي، مُشددةً على أنه يجب أن يعلم كل من صعد المنبر أنه يخاطب عقليات متباينة المستوى، ومؤشرات مختلفة للثقافة، فكلٌ له أذن صاغية وبالمقابل له معتقد ورأي وفكرة، وسيحمل خطيب الجمعة ذنب المنصتين له، والذين ساروا على خطته لا خطبته، وذنب كل متطرف دعاه كلام الخطيب للتطرف فقد حملهم على العداء، بينما ديننا الإسلامي يدعو إلى السلام وحفظ الأبدان والأموال. التعاضد والتكاتف وأكدت الخميس على أنه جاء القرآن الكريم منذ أكثر من 1430 عاماً موجباً التعاضد والتكاتف، وتلمس الخير وأسبابه ودفع الشر وتجنب مثيراته، وهذا ما أوجبه ديننا الإسلامي حيث ألزمنا كمسلمين وموحدين التعايش والتعاون على أمور الدين والدنيا وأمن بعضنا لبعض، فالإسلام حرم كل سلوك أوفعل أو قول أو فكرة، أو رأي يؤدي إلى إثارة الفتنة في المجتمع الإسلامي، والخطيب والإمام والداعية عليه أن يدرك كل منهم خطورة الخوض في تسييس الخطب، وإلى كل كلمة يتفوه بها قد تجر السامع إلى التطرف، وكذلك خطورة فتح مصراعي الفتنة والغل في قلوب المستمعين على بعضهم من خلال بث معتقداته وأفكاره وآرائه تجاه الدولة وتوجهاتها، أو التعرض لوزير أو مسؤول أو جهة معينة أو أن يتطرق إلى ذكر فلان من الناس مهما علا شأنه أو انخفض، فالقضايا السياسية من اختصاص ولي الأمر ورجال الدولة والمسؤولين، مبينةً أن على الخطيب وفي الفترة الزمنية التي نعيشها حالياً السعي إلى كل ما من شأنه التحام الشعب مع القيادة، وأسباب ذلك ونتائجه على الفرد والمجتمع ليترك ذلك أثراً إيجابياً على المتلقي، إلى جانب التحذير من الفتن وبيان خطرها على الدين وسوء عاقبتها على البلد وأهله والتذكير بأسباب النجاة والعصمة منها. موسوعة خطب وفي هذا الصدد فقد سعت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على توزيع موسوعة خطب الجمعة على فروع الوزارة الرئيسية وتسليمها لخطباء الجوامع للاسترشاد بها والاستفادة منها، وهذه الموسوعة قد تم إعدادها من قبل فريق علمي، وقد قسمت إلى أربعة مجلدات هي العقيدة، العبادات، الأخلاق والسلوك والرقائق، والأسرة وتلك الموسوعة تتناول مواضيع شاملة يمكن للخطيب أن يسترشد بها طوال العام، وروعي فيها الهدي النبوي في الخطب، وتحمل الفائدة للمجتمع بأسلوب ميسر ووسطي معتدل، والموسوعة تتناول أبرز المواضيع التي تعالج حاجة الناس في عقيدتهم وعباداتهم وحقوق ولاة الأمر. إبراهيم الجطيلي عبدالله الجبر