"صلاح أمرك للأخلاق مرجعه .. فقوم النفس بالأخلاق تستقم". أحمد شوقي يذكر المفكر محمد الجابري في كتابة (قضايا الفكر المعاصر) أن الأخلاق تتصف بثلاث خاصيات أولها أن موطنها النفس وليس الجسم, والثانية أنها اجتماعية, والثالثة أنها تنتقل وتتطور من حالة دنيا إلى حالة عليا, وهذا الوصف يتسم بالديناميكية والنمو المتصاعد فهو يتطلب فهما للشعور ووجود نظام اجتماعي سلوكي يحدده المجتمع ويؤطره بما يخدم التطور والتحضر لأفراد المجتمع, إلا أن الأخلاق التي نقدمها اليوم لا ترقى إلى مسمى الأخلاق, فنحن نحتاج إلى رسم خريطة أخلاقية من أجل وضع مسألة الأخلاق في إطارها الحقيقي ووضعها في السياق الاجتماعي المطلوب, فنحن واقعون في إحراج شديد إزاء هذه الأخلاق التي نقدمها ونصدرها, والتي تأتي بمعنى السلوك الفردي البشري, وتنظيمها اجتماعيا بوصفها مجموعة قيم متميزة عن العادات والأعراف وكل ما يصدر من الإنسان, وبين الإنسان ككائن حي وبين محيطة الاجتماعي, فمستجدات الحياة العامة تدفعنا لطرح قضية الأخلاق كأحد مكونات التنظيم الاجتماعي والتي يجب أن نفرد لها مساحة كبيرة فكل ما حولنا يجب أن يخضع للقيم والمعايير الأخلاقية والتي يجب أن تكون قانونا نتحاكم إليه, ووجوب وجود سلطة أخلاقية مهم فهي تحمي المجتمع وبالنهاية تحسن من نوعية الحياة كقيمة. فكيف نكون قدوة حسنة في حياتنا اليومية إذا لم نزرع الأخلاق ونؤصلها داخل عقولنا وأرواحنا لتتحول إلى سلوك عن طريق التربية والتعليم والتوعية والقانون, وقد ميز برغسون بين نوعين من الأخلاق: الأخلاق المغلقة والأخلاق المفتوحة, فالمغلقة تكون في المجتمعات التي توقف التطور والنمو فيها عند مستوى الغريزة, ولا تختص فقط بالمجتمعات البدائية, ولكنها تكون في المجتمعات الملزمة بسلوك معين ونظام من العادات والتقاليد مبنية على غريزة اجتماعية, فمن أجل المحافظة على أخلاق المجتمع يجب إجبار الفرد على سلوك معين وهذا ما يحصل لدينا في عالمنا العربي, حيث إن الفرد يخضع لمصلحة الجماعة, أما الأخلاق المفتوحة فهي لا تخضع لسلطة مجتمع أو غريزة بل هي توجه نحو القيم لتحسين جودة الحياة والعمل لصالح الإنسانية, والمحبة للوصول للكمال الأخلاقي. إن ثقافة الأخلاق ثقافة ليست بالسهلة ولا بالمعقدة ولكنها تحتاج إلى تكاتف من أجل النهوض بالمجتمع والحد من هذه التخبطات المتجلية في الكثير من المشاهد الحياتية, فإذا غابت الأخلاق فالبديل هو الفوضى.