المؤرخ والشاعر عبدالحميد بن أحمد الخطيب، أحد رجالات القرن الهجري المنصرم، جمع بين العلم والسياسة، كان شاعراً ودبلوماسياً ومستشاراً، نال ثقة الملك بانضمامه لمجلس الشورى كما كان ممثلاً للمملكة في عدد من الدول، عايش الصراعات السياسية التي شهدها القرن المنصرم، وشهد دخول الملك عبدالعزيز للحجاز، وفي كتاباته ومؤلفاته يظهر إعجابه الشديد بالملك عبدالعزيز لاسيما بعد عودته من الخارج حتى أنه أفرد له كتابه الشهير (الإمام العادل) من جزأين، كما كان -رحمه الله- العديد من المؤلفات مثل تفسير الخطيب المكي، وأسمى الرسالات، ومجموعة (مستقبلك بين يديك) وهو عبارة عن ابتهالات شاعر في حب الله ورسوله، كتابه الحجاز في نصف قرن «جزءان» وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية، هذا إلى جانب أنه كان شاعراً متمكناً قدم أعمالاً شعرية فريدة من نوعها مثل قصيدة الاستغاثة الكبرى في نحو (700) بيت في الدعوة إلى الرجوع إلى الله سبحانه، وكذلك منظومته الشهيرة (تائية الخطيب) التي تجاوزت ال 2000 بيت من الشعر، تناول فيها سيرة سيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، كما نظم العديد من القصائد، وساهم في نشر رسالة الإسلام عبر كتاباته وإنتاجه العلمي والأدبي. عايش صراعات السياسة ووثق ملامح تأسيس الدولة.. ودافع عن مشروع الملك عبدالعزيز الإصلاحي نشأتهولد السيد والمؤرخ عبدالحميد بن أحمد الخطيب بمكةالمكرمة في 24/2/ 1316ه، ونشأ في ظل والده السيد أحمد الخطيب، إمام وخطيب المسجد الحرام، ومفتي المذهب الشافعي، وأخذ العلوم الأولية عنه، وعن كبار علماء المسجد الحرام آنذاك مثل الشيخ سعيد اليماني وبعد أن أنهى تعليمه في رحاب البيت العتيق تمت إجازته وعيّن مدرسا بالمسجد الحرام، كما عينه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في عدة مناصب، من ضمنها عضويته بمجلس الشورى من عام ( 1355- 1366ه )، ويقول د.عبدالرحمن الزهراني في كتابه "من رجال الشورى" أنه مثّل الملك عبدالعزيز في إندونيسيا، وكان قد عين وزيراً مفوضاً لدى دولة الباكستان عام 1367ه، ثم سفيراً بها عام 1373، وإستمر إلى عام 1374 ه وعندما استقلت إندونيسيا انتدبه الملك عبدالعزيز على رأس وفد لتمثيل المملكة في حفل تسليم السلطة من هولندا، بعد ذلك تردّت حالته الصحية إثر إصابته بمرض القلب، ونصحه الأطباء بالراحة، فطلب من الملك عبدالعزيز-رحمه الله- إحالته للتقاعد، وتم له ذلك، ثم انتقل إلى دمشق وبقي في ريفها متفرغاً لواجباته الدينية وأعماله الكتابية إلى حين وفاته سنة 1381ه. لقاؤه بالملك تعود قصة انضمامه لكوكبة الرجال والنخب الذين إختارهم الملك عبدالعزيز لتمثيل المملكة في السلك الدبلوماسي، وتعيينه قبل ذلك في مجلس الشورى، إلى الاحداث التي سبقت دخول الملك عبدالعزيز الحجاز، حيث كان عبدالحميد الخطيب – رحمه الله – وكيلا لحزب الأحرار في القاهرة، وهو الحزب الذي تشكّل في عهد الشريف علي بن الحسين، وبعد صدور عفو شامل من الملك عبدالعزيز عن معارضيه بادر الخطيب مسرعا للعودة لبلاده، فغادر مصر عام 1355 ه، بباخرة "الطائف" عن طريق السويس ووصل جدة، ومن ثم إلى مكةالمكرمة، حيث كان يرغب في الالتقاء بالملك عبدالعزيز ب"عشيرة"، إذ كان الملك حينها يستعد للعودة إلى نجد، ولكن الوقت أدركه، مما دعاه للسفر إلى الطائف لمقابلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، واستئذانه بالذهاب لمقابلة الملك عبدالعزيز بالرياض، فسافر إلى الرياض في السابع من ربيع الثاني عام 1355 ه، بصحبة الشيخ محمد صالح نصيف، والشيخ محمد صالح قزاز، ونشير هنا إلى أن الملك عبدالعزيز بعد إصدار العفو عن خصومه عادت الكثير من الشخصيات والنخب والشباب الذين عارضوه بالأمس ليصبحوا أصدقاءه اليوم، كمحمد الطويل وطاهر الدباغ وحمزة غوث ورشيد بن ليلى سفير أمارة آل رشيد في أسطنبول، وعدد من المعارضين الذين عادوا إلى بلادهم وآخرون لم يبرحوا البلاد كالفريق إبراهيم الطاسان والفريق سعيد جودت اللذين انظما للملك بعد أن دانت له الحجاز مباشرة، أما من هم في الخارج فاستمرت نشاطاتهم إلى أن صدر الملك المؤسس ما يعرف بتاريخ المملكة ب"العفو العام" فعادوا إلى بلادهم ومنحهم الملك عدداً من المناصب القيادية والريادية للمساهمة في بناء الدولة، والتقى المؤرخ والمؤلف عبدالحميد الخطيب بالملك عبدالعزيز في الرياض في الثامن والعشرين من ربيع الثاني عام 1355ه، وذكر هذا اللقاء في كتابه عن الملك عبدالعزيز "الإمام العادل" ووصفه بأنه كان لقاءً اتسم بالوضوح والصراحة قدم فيه الخطيب أفكاراً بناءة لصالح الوطن والمواطن وأعجب الملك بفكره وأطروحاته وقربه منه. توثيق مرحلة البناء للمؤرخ عبدالحميد الخطيب العديد من المؤلفات والمخطوطات القيمة؛ ومن ضمنها كتابه (الإمام العادل)، وقد نشر في جزأين وتناول فيه سيرة الملك عبدالعزيز، وقدم الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع للكتاب فقال: (قرأت جميع هذا الكتاب قراءة تأمُّل واستفادة وتحقيق فوجدته كتاباً ممتعاً وافياً كافياً في موضوعه سلك فيه مؤلفه.. مسلك التحقيق والإخلاص وبيان الحقائق التاريخية التي لم يسبق تدوينها، وإنه لمن أصدق المصادر) وذكر الخطيب في الجزء الأول من الكتاب تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية، وحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية التي تتوافق مع رؤية المؤسس الملك عبدالعزيز، ودافع عن دعوة الشيخ وعن توجه الملك عبدالعزيز نحو الإصلاح، كما تضمن الكتاب مسيرة المؤسس والترجمة له، واحتوى الجزء الأول أيضا على علاقة الملك عبدالعزيز بالشريف حسين، واستعرض بعض المشاكل في الداخل والخارج التي تصدى لها الملك عبدالعزيز، وكذلك علاقاته مع بعض الدول مثل مصر واليمن ودولة الباكستان ودوره في تأسيس الجامعة العربية، وعلاقة الملك بالقضية الفلسطينية وتطرق المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب إلى الحديث عن أسرة الملك عبدالعزيز، وأبنائه، ورجال الدولة كما تضمن أيضا الحديث عن بناء مؤسسات الدولة والمشاريع الإصلاحية آنذاك، كما استعرض في كتابه مجموعة من أحاديث وخطب ونصائح الملك عبدالعزيز التي كان يلقيها في المناسبات العامة، لا سيما في الحج ولا شك أن الكتاب وثق الوقائع التاريخية وملامح البناء والتأسيس. الإنتاج الشعري كان الخطيب شاعرا متمكنا، تميز بالمطولات الشعرية التي جادت بها قريحته ونظمها بدواوين متعاقبة، وأشاد بجزالة شعره العديد من الشعراء والعلماء والمفكرين المعروفين في الأوساط الأدبية والفكرية، لاسيما وقد دأب في معظم قصائده وإنتاجه الأدبي إلى نشر تعاليم الإسلام والتعريف برسالته وسماحته، وله قصائد فيها مناجاة لله سبحانه وتعالى، كما أن له مجموعة من القصائد الشعرية مثل ( قدمت فعم البشر أفراد أمة) و (سيد الورى) إضافة إلى إنتاجه المتميز ( سيرة سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم» وهي (تائية في ألفي بيت) وجاءت عبارة عن منظومة شعرية أكثر من 2000 بيت شعري، في مدح وسيرة أفضل الخلق نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأشاد محمد حسين هيكل بهذا الإنتاج العظيم، وذكر في مقدمة المنظومة أن عبدالحميد الخطيب بذل جهدا، حيث نظم سيرة خير الخلق شعرا على قافية واحدة، ليجعلها سهلة وميسرة إلى نفس قارئها، ويضيف أن الخطيب تحرى أن يجعل من لغته سهلة تيسيرا لكل الطبقات والقدرة على استيعاب السيرة على الوجه المطلوب والمرضي كما قال الأديب أحمد إبراهيم الغزاوي الملقب ب (حسان الملك) حين حديثه عن السيد عبدالحميد الخطيب (إن السيد عبدالحميد الخطيب شخصية معروفة في الأوساط الأدبية لما له من إنتاج شعري وعلمي غزير، حيث حرص على تقديم النصح لأمته والشفقة على أبناء وطنه والإهابة بهم لاتباع ما كان عليه السلف الصالح، والرجوع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضحا أن عبدالحميد الخطيب لم تبهره زخارف الدنيا وبهرجتها، وتبعده عن بيئته ومجتمعه) ويسهب الغزاوي في مقدمته عن الكتاب ويؤكد أن هذا العمل هو الأول من نوعه في عرضه وتبسيطه وأسلوبه الجذاب وسهولته المغرية وتبويبه الأخاذ، حيث أضاف إلى المكتبة العربية كنزا ثمينا لما احتواه من سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام بقالب شعري منفرد. تائية الخطيب ومن "تائية الخطيب" التي نظمها في مدح المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وسميت "تائية" جرياً على العرف الأدبي عند العرب في تسمية القصائد بحروف قوافيها ونستعرض هنا بعض مما ورد فيها حيث يقول عن أسمائه عليه الصلاة والسلام: إِن رُمْت تَعْلَم مَن عُنِيْت فَإِنَّه هُو أَحْمَد الْمَكْتُوْب فِي الْتَّوْرَاة وَمُحَمَّد مِن نَص الْإِنْجِيْل عنه بِأَنَّه سَيَجِئ بِالْخَيْرَات وقال في مقام النبي صلى الله عليه وسلم وفضله: من جاء للدنيا ليهدي الناس للمولى وينقذهم من الظلمات المصطفى من نسل آدم كلهم والمجتبى من صفوة الصفوات الله أكرمه وأعلى ذكره وحباه من العلم والحكمات وقال في حضانته ورعايته : ولقد تلقى رأسه يوم الولادة أم أيمن أفضل الداياتوهي التي حضنته أول أمره وحنت عليه بوافر الشفقاتمن بعدها الأم الحنونة بنت وهب من به نرجو الجناتوثويبة وحليمة وكذلك الشيماء من آخته بالرضعات وفي وصفه عليه الصلاة والسلام: ولقد حوى معنى الجمال بشكله حتى غدا هو أوسم الطلعات إذ كان مربوع القوام ورأسه ضخم وكان مرجل الشعرات هو أسود شعراً ومبسوط الجبين وواسع العينين في دعجات ذو حاجبين منونين على اتصال سابغين يشابها الهالات من بينها عرق يلوح بحال غضبته فتعرفه من السيمات وإذا يسر بساعة عرفت أسارير السرور عليه في الجبهات عيناه واسعتان دعج في بياضهما ترى شيئا من الحمرات وعليهما الأهداب حالكة السواد طويلة تستلفت النظرات والأنف منه قد استوى في دقة أسنانه بيضاء مع فلجات. كما تضمنته تائيته طبائع وعادات النبي عليه الصلاة والسلام وكلامه وضحكه وبكاؤه، وجده ومزاحه، وطعامه وشرابه ولباسه، وصفة ركوبه واولاده ونساؤه، وثقافة ومكانته العلمية وبعثته وفتوحاته وغزواته ومبادءه السياسية، وكل ما يتعلق برسالته وشخصيته عليه الصلاة والسلام، وأشاد الكثير من كبار العلماء بمؤلف السيد عبدالحميد الخطيب، ومنهم سماحة الشيخ عبد الله بن حسن آل شيخ رئيس القضاة بالمملكة، والعلامة الشيخ محمد عبد اللطيف آل الشيخ من كبار علماء نجد، وكذلك الشيخ عبد الظاهر أبو السمح مدير مدرسة دار الحديث بمكة وإمام المسجد الحرام، إضافة إلى الشيخ إبراهيم فطاني المدرس بالمسجد الحرام، ومدارس الحكومة.. وغيرهم العديد من أهل العلم، إضافة إلى مؤلفاته الأخرى منها تفسير الخطيب المكي يظهر فيه المعنى اللغوي، والشرح لكتاب الله عز وجل واستنباط احكامه، وتوفي رحمه الله قبل أن يكمل تفسيره للقرآن كاملا، إضافة لمؤلفه أسمى الرسالات وهو عبارة عن عدد من الرسائل لنصرة الإسلام ومبادئ وقيم الدين الحنيف، ومجموعته (مستقبلك بين يديك ) جاءت بثلاثة كتب بمسميات (متى وثقت بقدرتك) و(متى عرفت ربك) و(متى فهمت حقيقة نفسك) وهي سلسلة تعني بالتحفيز وشحذ الهمم والثقة بالنفس والقدرة على العطاء والإسهام في بناء مستقبل واعد، وغيرها من المؤلفات الأخرى، كما كان لعبدالحميد الخطيب العديد من المقالات في الصحف السعودية كصحيفة «أم القرى» - «صوت الحجاز» - «المدينةالمنورة» - مجلة «المنهل». وفاته نصح الأطباء الشاعر والأديب والدبلوماسي عبدالحميد بن أحمد الخطيب بترك الأعمال الإدارية والميدانية والخلود إلى الراحة نظير ما يعانيه من أمراض بالقلب وفعلاً استجاب لنصيحتهم بيد أنه لم ينقطع عن التأليف والكتابة وقرض الشعر حيث عشقه ورسالته التي يؤمن بأدائها، وهناك في العاصمة السورية دمشق وبالتحديد في يوم الثلاثاء الموافق 18/3/1381ه، توفي الخطيب عن عمر يناهز الخامسة والستين من العمر رحمه الله رحمة واسعة. عبدالحميد الخطيب رحمه الله كتاب الخطيب الشهير في الملك عبدالعزيز بعنوان (الإمام العادل) نشر الخطيب العديد من المقالات في صحيفة صوت الحجاز إحدى مؤلفات الخطيب في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم عمل الخطيب وزيراً مفوضاً لدى باكستان ولد الخطيب في مكه عام 1316ه وعمل مدرساً بالمسجد الحرام إعداد - منصور العساف