تواصل عدد من الجهات والوزارات الحكومية متابعة إصدار مجلاتها الرسمية أو مطبوعاتها الدورية في الوقت الذي لا تزال تراوح مكانها بل تراجع الكثير منها لأسباب عديدة، الأمر الذي يحتم إعادة النظر فيها أو إيقافها توفيراً للوقت والجهد والمال على الجهاز الحكومي من هذا الهدر، أو العمل على تحويلها لمجلات وإصدارات إليكترونية في مواقع الجهات الحكومية الإليكترونية، "الرياض" تناقش واقع المجلات والنشرات الحكومية الذي لا يتواكب مع المرحلة وتطورات الإعلام ومستجداته. ضعف مهني يعلق د.فهد الطياش- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود- قائلاً: قبل البدء في استعراض الضعف المهني في المجلات الحكومية من حيث الإنتاج والوصول لجمهورها لا بد من الوقوف أمام صناعة المجلات في المملكة، فمن خلال تجربتي كرئيس تحرير لإحدى أبرز المجلات العربية "المجلة" أستطيع القول: إن المجلات ولدت لتموت في سوقنا المحلي، فالجمهور أصبح يسابق الإذاعة والتليفزيون رغم قدرتها على مواكبة التطور التفاعلي مع وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام التفاعلي، ولذا يمكن القول باطمئنان أن معظم المجلات في المملكة حتى الجماهيرية اعتراها شيء من الوهن المهني وبعضها احتضر ومات، والبعض الآخر يصارع من أجل البقاء، ولو استعرضنا خارطة المجلات في المملكة لا نجد لها أي حضور حتى أن بعض المؤسسات الإعلامية أعلنت اغلاق مجلاتها ثم أعيدت من أجل عبق التاريخ والكبرياء المؤسسية، وفي الجانب الآخر نجد أن المجلات والمطبوعات الحكومية برزت كنتيجة طبيعية لوجود إدارة نشطة للعلاقات العامة، أو تقليد لممارسات مماثلة أو رغبة لتوثيق أنشطة المؤسسة ومسؤوليها، وعلى الرغم من مرور الزمن تغيرت وتطورت الوسائل الإعلامية ومع ذلك لا تزال تلك المطبوعات تتراجع من حيث المهنية والمستوى الفني، كما أن المؤسسات الحكومية ومطبوعاتها وإدارتها للعلاقات العامة ورسائلها تنتج في بيئة نشطة بالحراك والتطور في الوسائل وصناعة الرسائل، ومع هذا نجد أن السمة السائدة في المحيط البيروقراطي المؤسسي هو الجمود ومقاومة التغيير، ولا تقف عند حدود المطبوعات بل نجد الجمود في جميع وسائل الاتصال بين المؤسسة وجمهورها الخارجي، واكتشفت الكثير من مؤسساتنا أن المجلات لا تصل لكل الجمهور لتكاليفها العالية وضعفها المهني، ومع هذا نجد أن تلك المجلات لا تزال تحظى برعاية المسؤول فعلى غلافها تتصدر صورته وفي الداخل نجد أن جميع الصفحات لا تكاد تخلو هي الأخرى من صورته في مناسبات عدة. عين عذاري! وأضاف د.الطياش: إن السؤال الذي يطرح الآن ما هي الرؤية الاستشرافية للمطبوعات الحكومية وتحديداً المجلات؟ وبرأيي أن الرسائل الوظيفية حول القطاع والتي كان من المفترض أن تحملها تلك المجلات للجمهور الداخلي والخارجي ستبقى ولكن ستتولاها جهات أخرى وستخرج في ثوب مهني آخر، مثل قطاع التعليم والزراعة والأمن وغيرها فستتحول إلى مجلات مرئية ومسموعة تنتجها هيئة الإذاعة والتليفزيون أو الشركات التي تعمل بشكل مباشر في القطاع مثل الشركات الزراعية والتعليمية وغيرها، وستتحول المؤسسات الحكومية إلى وسائل الاتصال الإليكتروني الذي يضمن التجدد وقلة التكاليف، فالقاعدة الواضحة من الميزانيات المتعاقبة هو ترشيد الإنفاق، ولعل السر الحقيقي في فشل تلك المجلات هو عدم التوظيف المهني للقدرات الإعلانية التي تملكها المؤسسة الحكومية في دعم مجلاتها وبالتالي أصبحت مثل "عين عذاري" تسقي الغريب وتنسى أصحابها وكانت النتيجة أنها ماتت مهنياً وتوقف شريان تدفقها في المجتمع. وتناول د.الطياش الحلول السهلة موضحاً انها ستكون في التحول الرقمي والأسلم أنها تتحول مهنياً إلى مجلات تستحق الوضع على طاولة القهوة أمام مكتب المسؤول أو في قاعات الانتظار المؤسسي، بمعنى أنها تصبح مجلات مهنية تخدم القطاع وبصلاحية طويلة الأجل لموادها، أم الوظيفة الإخبارية والتوثيقة فتتقلص ويتم ترحيلها لموقع الاليكتروني، فلكل وسيلة وظيفتها خاصة إذا كنا نؤمن بأن التاريخ لوسائل الاعلام يشير إلى أن ظهور وسائل جديدة لا يعني ازاحتها للوسائل القديمة، والمجلات الحكومية وسائل ستموت أو تتلون حسب قدرة المؤسسات على التفاعل مع التطور التقني في الوسائل. قاعدة واستثناء من جانبه قال عبدالله الكعيد - كاتب صحافي-: ربما اتفق في جوهر الموضوع واختلف في بعض تفصيلاته، فأقول صحيح أن معظم المطبوعات الصادرة من الوزارات وبعض الهيئات الحكومية لا يجد فيها القارئ مادة تستحق الاطلاع أو حتى النشر لطغيان مواد التلميع إن جاز التعبير لشخوص تلك الوزارة أو الجهة وبروزة المسؤولين فيها لدرجة أذكر بأنني شاهدت في أحد أعداد مجلّة تابعة لقطاع رسمي صورة الرجل رقم واحد فيها أكثر من عشر مرات في مواقع ومناسبات مختلفة! وذكر الكعيد بأن السؤال الذي يطرح نفسه؟ هل كل المجلات والنشرات الصادرة من قطاعات الرسمي بهذا السوء أو الأوصاف التي أوردتموها في محوركم الرئيسي، فأقول كلاّ ليست كلها وجوابي هذا يستند على اطلاعي على مجموعة لابأس بها من تلك المجلات والمطبوعات بحكم مهنتي ككاتب صحافي تبعث لي كثير من الدوائر الرسمية نشراتها على بريد هذه الجريدة فأقرأ السمين منها للاستفادة وأتصفح الهزيل من باب العلم بالشيء، مؤكداً أن الجهات العلمية أو البحثية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والهيئة العامة السعودية للغذاء والدواء والخطوط الجوية العربية السعودية وبعض الجامعات لديها مجلات ونشرات محترمة تستحق الطبع والتوزيع والقراءة لثراء مادتها، لافتاً إلى أن على العديد من الوزارات والقطاعات الحكومية أن تبادر للإيقاف الفوري لمجلاتها والاكتفاء بإيراد ما يودون قوله للناس عبر مواقعهم الإليكترونية التي تغص بها الشبكة العنكبوتية ولا داعي لإنشاء مواقع إليكترونية أخرى خاصة بمجلاتهم ونشراتهم توفيرا للجهد والوقت والمال. مطبوعات متخصصة بدوره يشير محمد المزيني - إعلامي - أنه يعلم يقينا أن المتخصصين من باحثين ودارسين لن يرحبوا كثيراً بطرحه هذا، لأنه يطال هيبة التخصص الذي تعبوا في تحصيله، قائلاً: لا أقصد هنا تخصصاً بعينة بل كل التخصصات التي لا تعني سوى أربابها، أما تلك التي تعود بالنفع على الخاصة والعامة فلا تدخل في حيز هذا المقصود، فنحن في المملكة لدينا بفضل الله هيئات ومؤسسات ومراكز لا تعد ولا تحصى لكثرتها وتنوعها وتشعب اختصاصاتها، لذلك تحرص دون استثناء على تمثيل وجودها من خلال كل الوسائل مستعينة بالميزانيات المخصصة لها، من بينها المطبوعات المتخصصة الحكومية من تقارير وأدلة إحصائية، لذلك يصرف على كثير منها سنوياً أموالاً طائلة دون عائد معرفي عام أو حتى مادي عام، لتظل هذه الفائدة محصورة على عدد قليل من المستفيدين، قد نتغاضى عن هذا في أوقات ما ولكننا اليوم ونحن نشهد تحولات ونقلات نوعية تضمنتها رؤية التحول الوطني 2030 تلك التي ستتجاوز كل القوالب الجاهزة اقتصادياً وتحيلها إلى حركة متنامية ومشتركة ما بين القطاع العام والخاص، ليصبح الصرف على كل شيء محسوب بحساب الربح والخسارة، سواء كانت مادية أو معنوية لذلك فإن ثمة مجلات حكومية غير مجدية تماماً للمواطن، وهناك مجلات أخرى تدخل في حيز التعريف بالمؤسسة ودورها دون عائد نفعي لها، لذلك فمن الأجدى أن تظل في بوابة الهيئة الإلكترونية، وهناك مراكز معلومات ومكتبات أخرى تعمل على المعرفة فهذه تقدم مادتها النوعية لشريحة أوسع من القراء وقد تكون مصدراً معرفياً مهما لهم، لذلك قد نتجاوز عنها شريطة أن تحمل صفتي الجدة والاستمرار مع أهمية البحث عن داعمين لها أو رعاة أو حتى معلنين بهذا تكون هذه المجلات النوعية قادرة على حمل نفسها وتمثيل جهاتها على الوجه الأكمل. مجلات ذات تأثير وترى أسماء العبودي - مديرة تحرير مجلة المعرفة - أنه من غير العدل وصف جميع المجلات التي تصدر من الوزارات والجهات الرسمية الحكومية بشكل شهري أو كل شهرين أو ربع سنوي بأنها تفتقر للمهنية أو أنها لا تقرأ، مضيفةً: هناك وزارات تخصص إصداراتها لمنجزاتها وأداءها وتفاعلها في المحافل الداخلية والخارجية وتكون المجلة مخصصة لهذا الأمر وربما هذا هو السائد وخصوصاً أن الجهات التي تصدرها جهات تجارية بحته وتتكسب فيها من خلال الإعلان التجاري، وأعتقد أن هذا التوصيف مناسب لها، حيث أن الإنجازات دائما تتحدث عن نفسها وخصوصا الخدمية منها والتي تمس المواطن بشكل مباشر، ولكن لا يجب أن نغفل عن مجلات أيضاً تتبع الجهات الرسمية ولكن لها تأثير جيد ومتابعين وقراء يبحثون عنها ويتفاعلون معها، ولدينا نماذج لها مثل مجلة رسالة الخليج العربي الصادرة من مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي وهي تركز على نشر الدراسات التربوية والثقافة العامة عالية الجودة وتعمم نتائجها في البيئات التعليمية لتحقيق التنمية البشرية والمهنية للكوادر المدرسية، وهناك مجلة المعرفة التابعة لوزارة التعليم والمتوقفة عن الصدور منذ رمضان الماضي نتيجة لعدم دعمها، وهي مجلة رصينة وتربوية هادفة وتناقش وتعرض كل ما يختص بالتجارب التعليمية المتميزة محلياً وعالمياً، ولها مراسلين متخصصين في أنحاء العالم وتقدم مواد مترجمة تعني بالتربية والتعليم وموجهة للمعلمين والمعلمات والأهالي وتقدم ما يستجد في هذا المجال، ولا ننسى مجلات أخرى مثل مجلة العربية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام ومجلة الفيصل وهنا الرياض ومجلة القافلة الصادرة عن أرامكو وكلها مجلات لها تاريخ عريق وقدمت وما زالت تقدم الثقافة بأسلوب متميز وجذاب وتستحق أن تستمر لما تقدمه من مواد بمهنية عالية. وأضافت: اتفق جداً أن هناك هدراً مالياً في بعض المجلات ويمكن إيجاد بدائل لها، أما عن تحويل المجلات إلى اليكترونية، فغالباً لا يعتبر الأمر ناجح مع كل ما يصدر، مثلا وجود مجلات تربوية بمتناول اليد وتوزع في أماكن الانتظار بالمطارات والمستشفيات والمكتبات العامة والمدرسية هو الأنسب لها حيث تصفحها يدوياً وقراءتها هو ما يناسب الوضع الحالي، لأننا غالباً حين نقرأ إليكترونيا فنحن لا نكون في مكان عام أو مكان لا يتيح البحث أو لا تتوفر فيه خدمة الواي فاي، وليست كل شرائح المجتمع لديها التعامل التقني مع الأجهزة والتطبيقات، لذا ومرحلياً لا غنى عن كونها إصدارات ملموسة ومحمولة. د.فهد الطياش عبدالله الكعيد