كم نحن في أمس الحاجة إلى مكافحة ظاهرة الاقتصاد الخفي من أموال غير مشروعة وتهرب من دفع الزكاة والضرائب في اقتصادنا، حيث فاقت أحدث التقديرات متوسط التقديرات السابقة متجاوزة تقديراتنا الحالية (540 مليار ريال) والمبنية على تقديرات شنايدر (2010). فقد قدرت دراسة علمية حديثة من جامعة Utara Malaysia حجم الاقتصاد الخفي في الاقتصاد السعودي خلال الفترة من 1980-2010 والذي نما من 351.2 مليار ريال في 1980 إلى 942.5 مليار ريال في 2010، أي ما نسبته 62.4% و57.82% من إجمالي الناتج المحلي الرسمي على التوالي (عوض جمال/ جواهري دحلان، رقم 3 صفحة: 28-29، 2015م Handbook on Economics, Finance and Management Outlooks). كما ذكرت الدارسة أن نمو الاقتصاد الخفي في السعودية هو الأكبر مقارنة ببعض الدول الآسيوية والأفريقية مثل بنغلاديش وماليزيا، والمغرب، غيانا، تنزانيا، نيجيريا، وملاوي وأثيوبيا. إن علينا تحديد أفضل السبل لمعالجة الاقتصاد الخفي، وهذا يتطلب أولاً فهم أين نحن وأين كنا، وأين نتجه من أجل تشخيص الحالة ووضع الحلول المناسبة لها في إطار نظام يحد من التعامل في هذا الاقتصاد الخطير الذي يغذيه العديد من العوامل المتشابكة ومن أهمها النقدية، حيث بلغ متوسط كمية النقد المتداول خارج المصارف 172 مليار ريال من يناير إلى نوفمبر 2016م حسب مؤسسة النقد، مع الافتقار إلى الشفافية في تلك المعاملات، ومحدودية إنفاذ القوانين القائمة. ففي هذا الإطار أوضحت هيئة الزكاة والدخل في الأسبوع الماضي أنها أسست "إدارة الضرائب" استعدادا لتطبيق ضريبتي السلع الانتقائية والقيمة المضافة وأنها تنسق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة للعمل على وضع آلية لتطبيق ذلك، حيث إنها ستبدأ بتطبيق فرض ضريبة السلع المنتقاة (مشتقات التبغ ومشروبات الطاقة 100% والمشروبات الغازية 50%) في الربع الثاني من عام 2017، بينما ضريبة القيمة المضافة ستطبق في الربع الأول من عام 2018، وهذه تطبيقات ضرورية لحماية صحة المستهلك وتوفير مليارات الريالات سواء كان على وزارة الصحة أو شركات التأمين أو الأفراد. لكن المشكلة الكبيرة كيف يتم تحصيل هذه المبالغ كاملة من المصانع الى محلات الجملة والتجزئة الى المستهلك دون وجود أدوات محاسبية دقيقة ترصد حجم المبيعات من تلك السلع منعا لإخفاء هذه المعلومات والتهرب من دفعها، مما يزيد من انتشار ظاهرة الاقتصاد الخفي وما يترتب على ذلك من أضرار كبيرة على الاقتصاد. لقد سهلت عمليات الدفع نقدا من انتشار ظاهرة الاقتصاد الخفي، حيث لا يمكن تتبع المدفوعات النقدية من قبل الجهات الحكومية، مما يؤكد أن الاقتصاد الخفي اقتصاد قائم على أساس النقدية التي تعتبر الوقود المحرك له. فإن وضع نظام لمكافحته وتطبيقه بصرامة سيسهم في تقليص حجمه، حيث أدت الأنظمة التي اقترنت بالإنفاذ أكثر صرامة وعقوبات أشد وإدانة بكل وضوح المجرمين في بعض الدول الأوربية الى تقليص حجم الاقتصاد الخفي من خلال زيادة التمحيص لدافعي الضرائب العالية على صافي القيمة، والاستخدام الإلزامي لبرامج الفواتير المصدقة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتدقيق حجم ضريبة القيمة المضافة مع التاجر من خلال شبكة نقاط البيع (POS)، وقيام إدارة الضرائب بمسؤولتها عن تأمين الامتثال للضرائب. إن زيادة استخدام نظم الدفع الإلكترونية يجلب المزيد من الشفافية إلى المعاملات التجارية ويجعل المشاركة في الاقتصاد الخفي أكثر صعوبة، حيث إنه توجد علاقة سلبية قوية بين انتشار المدفوعات الإلكترونية في بلد ما والاقتصاد الخفي، بعد أن أثبتت البلدان ذات المستويات العالية لاستخدام الدفع الإلكتروني، مثل بريطانيا وبلدان الشمال الأوروبي، بانخفاض اقتصادياتها الخفية إلى أدنى مستوى مقارنة مع البلدان التي تستخدم مستويات أقل من نظام المدفوعات الإلكترونية، مثل بلغاريا ورومانيا، واليونان.