يبرز مع أي اتجاه ضريبي في النظام الاقتصادي بعض الظواهر السلبية التي يُمارس من خلالها كثير من السلوكيات الاقتصادية الطفيلية في الممارسات التجارية والاستثمارية، تنتهي الى إيجاد اقتصاد مواز وهامشي أو ما يعرف بالاقتصاد الخفي والاقتصاد الأسود. مع إعلان هيئة الزكاة والدخل مؤخرا استحداثها لإدارة تُعنى بالضرائب استعدادا لتطبيق ضريبتي السلع الانتقائية والقيمة المضافة بالتنسيق مع جهات أخرى ذات علاقة للعمل على وضع آلية لتطبيق ذلك، تأتي ظاهرة الاقتصاد الخفي أو ما يعرف بالاقتصاد الأسود، على رأس المخاطر الاقتصادية لهذا التوجه الجديد للمملكة، والذي يعتبر أحد أكثر الظواهر الاقتصادية تعقيدا وأكثرها ضبابية لتظهر على السطح من جديد، ولكن هذه المرة بشكل أقوى من السابق. تعقيد الاقتصاد الخفي ليس فقط في طريقة عمله أو كيفية ملاحقته والقضاء عليه، بل حتى في تعريفه المعقد أيضا، فلا يوجد تعريف واحد لهذا الاقتصاد لاختلاف مفهومه حسب طبيعة الأنشطة التي تتم في مثل هذا الاقتصاد فقد يكون هو الجزء من الناتج المحلي الإجمالي الذي لم يدخل في حسابات الناتج المحلي الإجمالي الرسمي، أو تلك المداخيل التي لا يتم الكشف عنها حتى لا تخضع للضريبة أو الزكاة والتي قد تدخل أو لا تدخل ضمن حسابات الدخل المحلي. مشروع مكافحة قال عضو مجلس الشورى د. فهد محمد بن جمعة: إنه تقدم بمشروع مطور لمجلس الشورى تتم دراسته في اللجنة الاقتصادية تحت مسمى (نظام مكافحة الاقتصاد الخفي)، ويعرف كذلك بالاقتصاد الأسود والموازي واقتصاد الظل، مبينا أن المملكة في أمس الحاجة إلى مكافحة هذا النوع من الاقتصاد الذي يقوم على أموال غير مشروعة تقارب التريليون ريال، إضافة الى التهرب من دفع الزكاة والضرائب في الاقتصاد الوطني، وتحديد أفضل الطرق لمعالجة هذه الظاهرة. وأكد د. ابن جمعة أن ظاهرة الاقتصاد الخفي تتطلب منا فهم أين نحن؟ وأين كنا؟ وكذلك أين نتجه؟ من أجل تشخيص الحالة ووضع الحلول المناسبة لها في إطار نظام يحد من التعامل في هذا الاقتصاد الخطير الذي تغذيه العديد من العوامل المتشابكة ومن أهمها النقدية، حيث بلغ متوسط كمية النقد المتداول خارج المصارف 172 مليار ريال من يناير إلى نوفمبر 2016، حسب مؤسسة النقد، مع ملاحظة الافتقار إلى الشفافية في تلك المعاملات والمحدودية في إنفاذ القوانين القائمة. الدفع النقدي وأضاف ابن جمعة: ستطبق ضريبة السلع المنتقاة على مشتقات التبغ ومشروبات الطاقة 100% والمشروبات الغازية 50% في الربع الثاني من عام 2017، وضريبة القيمة المضافة ستطبق في الربع الأول من عام 2018، متسائلا: كيف يتم تحصيل هذه المبالغ كاملة من المصانع الى محلات الجملة والتجزئة الى المستهلك دون وجود أدوات محاسبية دقيقة ترصد حجم المبيعات من تلك السلع؟ وذلك منعا لإخفاء هذه المعلومات والتهرب من دفعها مما يزيد من انتشار ظاهرة الاقتصاد الخفي، خصوصاً وأن عمليات الدفع النقدي هي السمة البارزة في تعاملاتنا التجارية حيث لا يمكن تتبع المدفوعات النقدية من قبل الجهات الحكومية، مما يؤكد أن الاقتصاد الخفي اقتصاد قائم على أساس النقدية التي تعتبر الوقود المحرك له. وأوضح أن زيادة استخدام نظم الدفع الإلكترونية يجلب المزيد من الشفافية إلى المعاملات التجارية، ويجعل المشاركة في الاقتصاد الخفي أكثر صعوبة، فالعلاقة بين انتشار المدفوعات الإلكترونية في بلد ما والاقتصاد الخفي سلبية، بعد أن أثبتت البلدان ذات المستويات العالية لاستخدام الدفع الإلكتروني، مثل بريطانيا وبلدان الشمال الأوروبي، انخفاض اقتصادياتها الخفية إلى أدنى مستوى مقارنة مع البلدان التي تستخدم مستويات أقل من نظام المدفوعات الإلكترونية، مثل بلغاريا ورومانيا واليونان. ضَعف تطبيق الأنظمة تشير أحدث دراسة علمية صادرة من جامعة Utara Malaysia الماليزية أن حجم الاقتصاد الخفي في الاقتصاد السعودي خلال الفترة من 1980-2010 نما من 351.2 مليار ريال إلى 942.5 مليار ريال أي ما نسبته 62.4% و57.82% من إجمالي الناتج المحلي الرسمي على التوالي، وفي حساب متوسط نسبة هذا الاقتصاد في السعودية بناء على تقديرات البنك الدولي كجزء من إجمالي الناتج المحلي الاسمي خلال الفترة ما بين 2008 إلى 2012 فإن حجم الاقتصاد الخفي نما من 364 مليار ريال في 2008 إلى 510 مليارات ريال في 2012، أي ما يقارب خُمْس إجمالي الناتج المحلي ويتزايد مع ارتفاعه. وبحسب دراسة للدكتور عبدالرحمن المطيري بحثت قياس حجم الاقتصاد الخفي وأثره على المتغيرات الاقتصادية الكلية مع دراسة تطبيقية، فإن طبيعة الاقتصاد الخفي في السعودية تختلف عن مثيلاتها في دول أخرى، حيث لا يعد التهرب الضريبي لوحده العامل الأساسي لتزايد حجم الاقتصاد الخفي في المملكة، بل إن ضَعف تطبيق الأنظمة في سوق العمل، وفي سوق السلع والخدمات، وانخراط العمالة الأجنبية النظامية وغير النظامية في عمليات التستر التجاري والغش التجاري، وظاهرة قضايا الفساد الإداري والمالي الناجمة عن قصور عملية المراجعة والتدقيق أدت بدورها إلى تزايده. مكافحة الاقتصاد الأسود أدركت حكومة المملكة خلال العقد الماضي مدى خطورة عمليات غسل الأموال وسرعة انتشارها، مما دفعها إلى اتخاذ العديد من المبادرات والإجراءات الخاصة بمكافحة غسل الأموال وذلك تطبيقًا لنصوص الشريعة الإسلامية والأنظمة المحلية والتوصيات الدولية، ومن أبرز المبادرات في هذا المجال صدور قرار مجلس الوزراء رقم (15) بتاريخ 17/1/1420 القاضي بتطبيق التوصيات الأربعين لمكافحة عمليات غسل الأموال وفقاً للأنظمة المعمول بها في المملكة، كما تم تشكيل لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال، حيث عرَّفت المادة الأولى من هذا النظام غسل الأموال بأنه: ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاءه أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافا للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر. طرق القياس من أبرز الطرق العلمية لمعرفة الاقتصاد الأسود وقياسه الطريقة المباشرة وغير المباشرة والنهج المتغير الكامن، حيث تقوم الطرق المباشرة على القياس بعينة المسح والتي تقدر حجم الاقتصاد الخفي من بيانات المسح أو مراجعة الحسابات الضريبية من خلال قياسات المراجعة من الدخل الخاضع للضريبة غير المعلن عنها. ومن الطرق غير المباشرة التي تقيس هذا الاقتصاد إحصاءات المحاسبة الوطنية على أساس الفروقات بين إحصاءات الدخل والإنفاق في مجال المحاسبة الوطنية أو في البيانات الفردية، أو إحصاءات القوى العاملة على أساس انخفاض المشاركة العمالية في الاقتصاد الرسمي بافتراض أن معدل مشاركة قوة العمل ثابت بشكل عام أو قياس المعاملات النقدية بحساب إجمالي الناتج المحلي الاسمي (غير الرسمي بالإضافة إلى الرسمي)، ثم تقديرات حجم الاقتصاد الخفي عن طريق طرح إجمالي الناتج المحلي الرسمي من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ومن الطرق غير المباشرة أيضا قياس الطلب على العمالة من خلال الطلب على النقد على افتراض أن المعاملات الخفية تتم نقدا، وأن حدوث زيادة في الاقتصاد الخفي سوف يرفع الطلب على النقود، وكذلك قياس المدخلات المادية (استهلاك الكهرباء)، حيث يطرح معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الرسمي من معدل النمو في الاستهلاك الإجمالي للكهرباء وينسب الفرق إلى نمو الاقتصاد الخفي. ومن الأمثلة على طريقة نهج المتغير الكامن العبء الضريبي، وعبء التنظيم الحكومي - ومتغيرات الاقتصاد الخفي التي تترك آثارا مثل النقدية وقت العمل الرسمي والبطالة.. إلخ؛ طريقة متميزة لأنها تعتبر أسبابا متعددة وآثارا جميعا في نفس الوقت. من واقع كثير من الدراسات الاقتصادية يُصنَّف الاقتصاد الخفي وفقا لمعيار المشروعية إلى نوعين رئيسيين: الاقتصاد الخفي المشروع، والاقتصاد الخفي غير المشروع. الاقتصاد الخفي المشروع يتضمن الاقتصاد الخفي المشروع أنشطة اقتصادية تنتج سلعاً وخدمات مشروعة، ولا تخالف قوانين وأنظمة الدولة، كأنشطة بحد ذاتها، ولكنها غير معلنة ومجهولة بالنسبة للدولة، ويتولّد عنها دخول غير واضحة للسلطات الرسمية، ومن ثم لا تُسجل ضمن حسابات الدخل القومي. ومن أمثلتها: بعض أنشطة قطاع الصناعات الصغيرة وقطاع التجارة الداخلية، بالإضافة إلى القطاع الحرفي والمهني. الاقتصاد الخفي غير المشروع يقوم الاقتصاد الخفي غير المشروع على أنشطة اقتصادية مخالفة لأنظمة وقوانين الدولة، إلى جانب الأنشطة التي تُنتج سلعاً وخدمات غير مشروعة. ويمكن تقسيم أنشطة الاقتصاد الخفي غير المشروع إلى ثلاثة أقسام: الأنشطة المنتجة للسلع والخدمات غير المشروعة، وكذلك الأنشطة المخالفة لأنظمة وقوانين الدولة، فضلاً عن الأنشطة المخالفة لقوانين العمل والهجرة.