كم نحن في امس الحاجه الى نظام يكافح ظاهرة الاقتصاد الخفي يحمل بين طياته نظام التستر وغسيل الاموال ومكافحة المخدرات ونظام الزكاة التي تمثل جزءا منه وليس كله. ان الاقتصاد الخفي يشمل أنشطة الأعمال القانونية التي تتم خارج نطاق الحكومة وغير معلنة من اجور العمال وافصاح الشركات عن ايراداتها بشكل كامل تجنبا للزكاة أو الضرائب، وكذلك الاعمال غير المعلنة على نطاق واسع في البناء (لا سيما عند التعامل مع المقاولين من الباطن) والعقار والزراعة والخدمات المنزلية، بالإضافة الى الجزء الذي تستخدم فيه النقدية بشكل كبير في محلات البيع بالجملة والتجزئة، سيارات الأجرة وغير ذلك من الاعمال الصغيرة. ان تحديد أفضل السبل لمعالجة الاقتصاد الخفي يتطلب أولاً فهم أين نحن وأين كنا، وأين نتجه من اجل تشخيص الحالة ووضع الحلول المناسبة لها في اطار نظام يحد من التعامل في هذا الاقتصاد الخطير الذي يغذيه العديد من العوامل المتشابكة منها النقدية، الافتقار إلى الشفافية في تلك المعاملات، محدودية إنفاذ القوانين القائمة، عدم وجود نظام شامل يضم تحت مظلته جميع الانظمة القائمه بالإضافة الى انظمه جديدة. ان الاقتصاد الخفي يعظم منافع بعض الاشخاص والمنشآت على حساب الكثيرين ويعيق طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويخضع السياسات العامه لهامش كبير من الخطأ. وتشير الدراسات الى الترابط القوي بين الاقتصاد الخفي من جانب وفترات الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الدخل ومخاوف حول المستقبل من جانب آخر، مما يشجع العمالة على العمل الإضافي الذي لا يبلغ عنه، وكذلك عدم الإبلاغ عن مبيعات المحال بغية تحسين الشؤون المالية الشخصية، والتعويض عن مصادر الدخل المتدنية. ان العمل خارج الاقتصاد الرسمي ساعد الافراد والمنشآت على التهرب من دفع الرسوم او الزكاة او الضرائب وكذلك الحصول على مدفوعات الضمان الاجتماعي التي لا يستحقونها والتحايل على لوائح العمل وتجنب الأعمال الورقية التي تثبت ممارساتهم الخفية. كما انه توجد علاقة سببية قوية بين معدل دفع الرسوم بأنواعها وحجم الاقتصاد الخفي التي تزداد مع فترات الانكماش الاقتصادي او ارتفاع البطالة. هكذا يؤدي تدني مستوى مخاطر كشف المشاركة في الاقتصاد الخفي واحتمالية الوقوع في قبضة القانون وتطبيق العقوبات بحقهم الى مشاركة المزيد من الاشخاص في الاقتصاد الخفي، مما يتطلب موقفا نظاميا واضحا وقوي إلانفاذ. لقد سهلت عمليات الدفع نقدا من المشاركة في الاقتصاد الخفي، حيث لا يمكن تتبع المدفوعات النقدية من قبل الجهات الحكومية، مما يؤكد أن الاقتصاد الخفي اقتصادا قائم على أساس النقدية التي تعتبر الوقود المحرك له. فان وضع نظام لمكافحته وتطبيقه بصرامة سيسهم في تقليص حجمه الذي تجاوز (19%) من اجمالي ناتجنا المحلي، كما ذكره صندوق النقد الدولي، حيث ادت الانظمة التي اقترنت بإنفاذ أكثر صرامة وعقوبات أشد وإدانة بكل وضوح المجرمين في بعض الدول الاوربية الى تقليص حجم الاقتصاد الخفي من خلال زيادة التمحيص لدافعي الضرائب العالية على صافي القيمة، والاستخدام الإلزامي لبرامج الفواتير المصدقة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتدقيق حجم ضريبة القيمة المضافة مع التاجر من خلال شبكة نقاط البيع (POS)، وإنشاء هيئات جديدة مسؤولة عن تأمين الامتثال للضرائب. ان زيادة الاندماج المصرفي واستخدام نظم الدفع الإلكترونية يجلب المزيد من الشفافية الى المعاملات التجارية ويجعل المشاركة في الاقتصاد الخفي أكثر صعوبة، حيث انه توجد علاقة سلبية قوية بين انتشار المدفوعات الإلكترونية في بلد ما والاقتصاد الخفي، بعد ان اثبتت البلدان ذات المستويات العالية لاستخدام الدفع الإلكتروني، مثل بريطانيا وبلدان الشمال الأوروبي، بانخفاض اقتصادياتها الخفية الى ادنى مستوى مقارنة مع البلدان التي تستخدم مستويات أقل من نظام المدفوعات الإلكترونية، مثل بلغاريا ورومانيا، واليونان. ان سد الثغرات في الانطمة التشريعيه بإنشاء نظام شامل يمكن تطبيقه بحسم سيعزز شفافية المعاملات المالية التي تخفيها المعاملات النقدية في اقتصادنا.