ما دمنا نعيش مرحلة تقشّف وتغيير في أنماط الاستهلاك، والبحث عن مصادر جديدة لدعم الدخل القومي للبلاد، فما المانع من مرحلة تمهيديّة تُهيئ أفراد المجتمع، وتعزز استيعابهم، ومن ثم تقبّلهم لتلك المتغيرات. بالطبع لا أقصد تضليل الناس، ولا حجب الحقائق عنهم، أو التأخر في التصريح عنها، بل اطلاعهم بالتفصيل عن الواقع الاقتصادي لبلادنا، ولماذا تتخذ الحكومة الإجراء الفلاني، وشرح إيجابياته التي ستنعكس على الوضع العام لحياتهم حاضرا ومستقبلا. في حالة مثل هذه، لا تنفع الرسائل الاتصالية الكبسوليّة "إن جاز التعبير"، تلك المبهمة التي لا يفهمها معظم أفراد المجتمع، إما لعدم وضوحها، أو لورود بعض المصطلحات المتخصصة، أو لصياغتها التي تشبه ترجمة "قوقل" من اللغة الصينية إلى الفرنسية على سبيل المثال. لا بد من مخاطبة الناس بما يفهمونه، ولا مانع من الشرح ثم الشرح، وإعادة الشرح، وبث ذلك في الوسائل الاتصالية الجماهيرية حتى تصل للجميع. يعتقد (بعض) المسؤولين في القطاعات الخدميّة التي لها تماس مباشر مع كل شرائح المجتمع، خصوصا تلك التي استحدثت تغييرات جوهرية في علاقتها مع المستفيدين أو في رسومها، وطرائق استحصالها، والتغيير الذي طال الفترات الزمنية لصلاحية خدماتها. يعتقدون أنه يكفي موافقة المراجع الكبرى عليها، وصدور خبر تلك التغييرات في بعض الوسائل وليس كلها، ثم يختفون تماما عن الظهور لشرح ما يود الناس معرفته. اقترح على من يملك الصلاحية، بأن يأمر بتصميم برامج تنفيذية لتعديل المفاهيم. نعم، تعديل المفاهيم. مجتمعنا يا سادة اعتاد طوال سنوات مضت على أنماط معينة في مفاهيم الاستهلاك، أساسها مجّانية الخدمات، أو تدني قيمة فواتيرها، ثم نريده بين ليلة وضحاها أن يتفهم معنى ترشيد مصادر الطاقة، أو المشاركة في تعدد مصادر الدخل القومي للبلاد؟ الأنبياء والرسل بالرغم من أن مهماتهم بُلّغت لهم من قبل الخالق سبحانه وتعالى، احتاجوا لسنوات طوال للدعوة لتلك الأديان السماوية، وهي أُسّ حياة البشر، فما بالنا نحتجب عن الحديث للناس في أمور دنياهم؟