مع تسارع وتيرة الزمن، يبدو أن التعامل مع الغذاء صار يتسارع، كمَّاً وكيفاً، وانتهج الناس السرعة في هذا العصر، فهم يتحركون بسرعة، ويأكلون بسرعة، نظراً لتوفر الأغذية الجاهزة بصورها المختلفة المعلّبة والمجمدة والجافّة وغيرها في أي وقت، لكونها في نظرهم تتوافق مع نمط الحياة العصرية وأهمية الوقت دون إدراك للقيمة الغذائية في أولويات اختيارهم لتلك الأغذية. ولكن من جهة أخرى، صاحب هذا التوسع في سوق الأغذية الجاهزة تفشي حالات العدوى والتسمم الغذائي بين أعداد كبيرة من الناس، بسبب مصادر التلوث الغذائي، التي من أهمها الكائنات الحية الدقيقة، ودخول الكيماويات، بقصد أو بغير قصد إلى غذائنا اليومي، بمختلف أصنافه، مما نتج عنه ظهور أمراض بين أفراد المجتمع لم تكن معروفة من قبل، وهذا ما يشير إليه كثير من الباحثين في هذا المجال. ما يقلق فعلاً هو أنه بين فترة وأخرى نقرأ في الصحف المحلية عن ضبط أطنان من الأغذية الفاسدة، في مركبات تتنقل من مكان إلى آخر، بقصد البيع والتسويق، في وقت لا يستبعد فيه أن بعض هذه الأغذية الفاسدة تمكّن ضعاف النفوس من بيعه أو تسويقه على بعض المطاعم أو محلات الوجبات السريعة، التي لن تجد سوى جيوبنا وبطوننا هدفاً أخيراً لطمعها. وفي حكاية تضحك وتبكي في اللحظة ذاتها، كان يتحدث أحد المستثمرين في إنتاج الدواجن عن اتصال لأحد العاملين الآسيويين الذي كان يعمل سائقاً معه سابقاً، قبل أن يعود إلى بلده قبل 4 سنوات، وعندما يسأله صاحب العمل عن وضعه حين اتصاله، يتمتم العامل قليلاً، ثم يضحك بقوة في محادثته الهاتفية، ويقول لكفيله السابق: هل تعلم أنني كنت لا أرمي شيئاً من الدجاج النافق في مشروع إنتاج الدواجن، وإنما كنت أقوم بالتعامل معه كأنه سليم، فأقوم بتجهيزه، ثم تصنيفه، وبعمليات معالجة بالتوابل يبدو مظهر الدجاج النّافق أولاً، ثمّ المُعَالَج والمُصَنّف تالياً، كأنما هو طبيعي، وعندها تتم عملية بيعه على بعض المطاعم، وبعض محلات الوجبات السريعة، دون علمهم. وهكذا استطاع هذا العامل تحويل مبالغ كبيرة، عبر عمليات الغش والتحايل التي كان يتفنن فيها على عيون النّاس أولاً، ثم بطونهم التي لا تمتنع عما يغريها، وإن كان ميتةً قد تكون سامّة أو قاتلة، «فالمَعِدَةُ بيتُ الدّاء». في الدليل الفني لنظام تحليل المخاطر ونقاط التحكيم الحرجة، أو ما يُعرب اختصاراً، «هاسب» HACCP، وهو نظام عالمي، تعمل به أكثر البلدان، في إدارات صحة البيئة، وإدارات الموادّ الغذائية، نجد نظاماً رصيناً ومحكماً في إدارة نظام السلاسل الغذائية، أي ابتداءً من مرحلة الإنتاج الأولى، وحتى وصوله إلى المستهلك النهائي، للحصول على سلامة كل الأغذية، وإدارة صلاحيتها للاستهلاك الآدمي. يستعرض هذا الدليل، كل التفاصيل التي تتعلق بسلامة الغذاء، وهو يمثل بوصلة إرشاد وتوجيه للجميع، وينبغي أن يتم طرح بعض من مضامينه على طلبة وطالبات التعليم العام، من خلال مادة إثرائية جاذبة، ومحتوى يجمع بين التعليم والتدريب، ونحن في حاجة إلى «هسبنةٍ» غذائيةٍ ترفع عنا حُجُب غفلة كهذه.