الشوق يلتهب كالنار حين يفقد الإنسان أحبابه، وقد شطّ وطال غيابه، ثم عاد والوله يلتهب في جوانحه أي التهاب .. فلم يجدهم.. ولم ير لهم من أثر .. وكلما سأل عنهم لم يُجبه أحد ... ولم يشفِ غليله بعيدٌ أو قريب .. أو يفيده جار .. أو عابر سبيل .. فهو ملهوف .. مشوق .. يسأل عنهم كل الجيران .. وكل الموجودين .. ويبحث عنهم بحثَ شحيح ضاع في الترب خاتمه .. الحب الصادق دافعه .. والشوق العنيف محاصره .. فأي المشاعر تدفّق في قلبه ؟! .. وأي المواجد تضطرم في داخله؟! .. أي شجى؟ وأي شجن؟ وقد عاد حاملاً أملاً بحجم الفضاء، وشوقاً بحجم الجبل .. فلم يجد مايعطيه بصيص أمل .. أو يزيح عن عاتقه ثقل الجبل .. هنا تزداد مواجعه .. وتتراكم هواجسه .. وتتزاحم مشاعره بين خيط رهيف من رجاء .. وخوف عنيف من يأس!. لا مبالغة هنا! .. هذا ماكان يحدث لعشاق العرب في زمنهم القديم .. حين يعشق الشاب فتاةً خيامُ أهلها بقرب خيامه .. ويلتقي بها مراراً في رحابة الصحراء .. وفوق كثبان الرمال .. وتحت ضوء القمر .. ثم يذهب الفتى في مُهِمّة لأهله .. ويغيب شهوراً .. وحين يعود مُحَمّلاً بالشوق، فرحاً بالرجوع، يتخيل جمال اللقاء مع محبوبته .. فيجدها قد رحلت مع أهلها إلى مكان مجهول في عمق الصحراء .. بحثاً عن المرعى والماء .. في حياة العرب القديمة .. حيث لا مكان .. لا حدود .. ولا عنوان.. أما البريد أو الهاتف فيستحيل، بل حِلّ وترحال .. وصحراء بامتداد السماء.. فيسأل عنهم ولا مجيب، ويبحث عن طريقهم فلا طريق .. لا شيء هناك سوى بقايا أطلال ،آثار من مساكنهم الغابرة .. وبقايا من بقايا خيامهم المنقولة، فربما أصاب الشاب مايشبه اللوثة من شدة اللوعة وهو يرى مسرح حبه خالياً من بطلته المحبوبة .. وأماكن لقائه بها تنعى ذلك اللقاء .. هنا تدور به الدنيا .. ويحس أنه رغم عودته لأهله وحيّه - وحيدٌ شريد .. غريب.. هذا ماجعل (شعر الأطلال) يتصدّر كثيراً من قصائد الشعر الجاهلي.. ثم يعود ذلك الشعر القديم إلى الحياة .. بعد أكثر من ألف عام حين عادت نجد بادية .. ومرعى .. حلّا وترحالاً وقصص حب تروى ولا تروى: سُمّار يا سُمّار تكفون دلّوني تايه غريب الدار احبابي ماجوني وسألت اهل الحي .. ماسمعت عنهم شي وجيت يا سُمّار .. جيت يا سمار .. تكفون دلوني جيت القمر أسال ... قالي القمر مادري رُوح اسألِ السمار ... اهل الهوى العذرى وأسمح لي فيّ اسرار ... وأقبل ياخيّ عذري وجيت يا سمار .. جيت يا سمار .. تكفون دلوني جيت البحر بدري ... سألته عن بدري جاوبني موجه قال ... داعبته فوق صدري راح مع السمار... أهل الهوى العذري وجيت يا سمار .. جيت يا سمار .. تكفون دلوني عبدالرحمن حجازي جبل التوباد حياك الحيا وسقى الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى فى مهده ورضعناه فكنت المرضعا وعلى سفحك عشنا زمنا ورعينا غنم الاهل معا وحدونا الشمس فى مغربها وبكرنا فسبقنا المطلعا هذه الربوة كانت ملعبا لشبابينا و كانت مرتعا كم بنينا من حصاها اربعا وانثنينا فمحونا الاربعا وخططنا فى نقى الرمل فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعى لم تزل ليلى بعينى طفلة لم تزد عن أمسِ إلا إصبعا ما لآحجارك صُمّاً كلما هاج بى الشوق أبت أن تسمعا كلما جئتك .. راجعتُ الصِّبَا فأبتْ أيامه أن ترجعا قد يهون العمر إلا ساعةً وتهون الأرض إلا موضعا أحمد شوقي على لسان مجنون ليلى يا ناس ذاك البيت لا تهدمونه خلوه يبقى للمحبين تذكار خلوه حب سنين خلفه ودونه في داخله قصة مواليف وأسرار من يعشق الأطلال دمعه يخونه لا صارت أقدامه على سكة الدار عشّ الحمام اللي بعالي ركونه رمز الوفاء رمز المحبة والإصرار سعد الخريجي يا دار وين أحبابنا اليوم يا دار يا دار وين الحب وين المحبين يا دار كيف تحْوّلت جنتك نار وتغيّرت الأحوال حينٍ بعد حين هنا لوقفات المها باقي آثار هنا لعبنا بالسواقي وبالطين يا دار ما عيّنت مثلك ولا دار اللّي ربابك صاحبي كامل الزين لاجت هبوب الريح منهم بتذكار أعوي عوى سرحان والناس ممسين واليا ذكرته شب في ضامري نار أنا أشهد إن أهل المحبه مساكين علي القحطاني ودّع الصبرَ محبّ ودّعك ذائع مِن سرّه ما استودَعك يقرع السنّ على أَن لم يكن زادَ في تلك الخُطى إذ شيّعك يا أَخا البدرِ سناء وسنى حفظ اللَه زماناً أطلَعك إنْ يطُل بعدك ليلي فلكم بتّ أشكو قِصرَ الليل مَعك ابن زيدون الوقوف على الأطلال تخفيف للوعة الفراق علي القحطاني سعد الخريجي