بداية لا بد من التأكيد ونحن نتحدث عن الأزمة اليمنية، التي افتعلتها مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، أنه لو أراد التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية حسم الموقف بسرعة لكان له ذلك يسيراً، لكن ما يغل يد التحالف العربي، هو الخشية من أن يدفع المدنيون في اليمن ثمن الرعونة السياسية التي تتصف بها هذه المليشيات الفئوية الطائفية، التي اغتصبت السلطة في هذا البلد، عبر انقلاب دموي، تنفيذاً لأوامر خارجية لا تخفى على أحد، لتمرير أجندات معادية ليس لليمن وحده وإنما للأمة العربية بأسرها. فكما هو معلوم فإن التحالف العربي، محكوم بقواعد أخلاقية، في التعامل مع الأزمة قبل أن تكون قواعد دولية، يفرضها القانون الدولي، ولذلك سعى هذا التحالف ويسعى بشكل حثيث لتجنب إلحاق الأذى بالشعب اليمني الشقيق، خلال كل مراحل النزاع، الذي فجره اعتداء مليشيات الحوثيين وصالح على الشرعية في اليمن. ونلاحظ هنا أنه في الوقت الذي يحاول فيه التحالف العربي، تجنيب المدنيين ويلات الحرب، يمعن الإنقلابيون في تجاهل كل القواعد الأخلاقية، والقانونية الدولية، عبر إصرارهم على استغلال المدنيين كورقة ضغط، واستخدامهم دروعاً بشرية فضلا عن نهب وسرقة المساعدات الإنسانية والإغاثية، وهو أمر برعت فيه المليشيات الانقلابية. وليس هذا فقط بل أمعنت هذه المليشيات المتنكرة لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية، في الاعتداء على الشعب اليمني وارتكاب كل الجرائم بحقه، من دون أي وازع أخلاقي، عبر عمليات القصف المتعمد للمدنيين، والمرافق الخدمية والصحية، من مستشفيات ومراكز صحية، بل وحتى سرقة المساعدات الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي لليمنيين المحاصرين بحقد المليشيات الحوثية وويلات الحرب المفروضة عليهم من قبل هذه المليشيات العميلة التي لا يصح وصفها إلا بالعصابات المسلحة. ولو عدنا ليوميات الحرب التي تدور في اليمن لوجدنا أن سجل هذه العصابات بات يفيض بالجرائم بحق الإنسانية، التي لا يمكن إخفاؤها أبداً، باعتبارها جرائم موثقة من قبل الكثير من المنظمات الدولية والإنسانية، وعلى رأسها الأممالمتحدة، وآخر هذه الإدانات ما جاء على لسان روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة، الذي اتهم الانقلابيين الحوثيين ووحدات الجيش الموالية للمخلوع علي صالح بقتل 10 من المدنيين على الأقل، بما في ذلك ستة أطفال في تعز، وإصابة سبعة عشر آخرين، بينهم ستة من الأطفال وثلاث نساء، وذلك باستهداف شارع مزدحم قرب سوق في منطقة بير باشا، مشيراً إلى أن الضحايا سقطوا على إثر قذيفة مدفعية أطلقت من جانب ما يسمى اللجان الشعبية التابعة للحوثي والوحدات المرتزقة الموالية لصالح. ناهيك عن إمعان العصابات الانقلابية في سعيها لتعطيل أي إمكانية للحوار السلمي، وإصرارها على مواصلة اعتداءاتها ضد الأراضي السعودية، وهو ما حذا بالمملكة العربية السعودية إلى توجيه رسالة إلى المنظمة الدولية تدين فيها انتهاكات مليشيات الحوثي وصالح في اليمن، وإطلاقها للصواريخ على أراضيها، معتبرة أن هذا خرق واضح للقرار 2216، متمسكة بحقها القانوني في اتخاذ الإجراءات اللازمة، للتصدي لخطر المليشيات المدعومة من إيران، مؤكدة بأنها لن تألو جهدا في حماية المملكة واليمن وشعبيهما. ودعت المملكة المجتمع الدولي لمحاسبة المتمردين وحلفائهم على سلوكهم الإجرامي. كما جددت في رسالتها للأمم المتحدة، دعمها لجهود المبعوث الدولي إلى اليمن، للتوصل إلى حل شامل ينهي الصراع في اليمن. ولم تكتف عصابات الحوثيين وصالح بذلك بل وصل بها الصلف والجنون إلى استهداف حتى مكةالمكرمة بصواريخها الباليستية، في تحد صارخ وخطير للمشاعر الإسلامية، التي يزعم داعمو الحوثيين أنهم يمثلونها، وهو ما دفع بالأممالمتحدة، إلى إدانة هذا الاعتداء مؤكدة أن شن أي هجمات مسلحة ضد المناطق التي يسكنها مدنيون محظور بموجب القانون الإنساني الدولي. ولم يكتفِ الحوثيون باستهداف المدنيين، بل وسعوا نطاق جرائمهم صوب الجهة التي يمكن أن تفضح جرائمهم من خلال استهداف العاملين في الصحافة، الذين تعرضوا للاختطاف والتعذيب وحتى القتل على أيدي العصابات الانقلابية. جرائم خطيرة دعت منظمة مراسلون بلا حدود والاتحاد الدولي للصحفيين إلى إدانة انتهاكات مسلحي الحوثي المتزايدة ضد وسائل الإعلام في اليمن. وطالب الاتحاد الدولي للصحفيين زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي بسحب مسلحيه من المؤسسات الإعلامية كما أعربت نقابة الصحفيين اليمنيين عن قلقها البالغ حيال تزايد حالات الترصد والملاحقة والانتهاكات المتكررة بحق الصحفيين اليمنيين، من قبل جماعة الحوثي، فضلا عن رفض الشعب اليمني والعربي لتصرفات المليشيات العميلة الخائنة. واتهمت النقابة جماعة الحوثي بتهديد سلامة الصحفيين ضمن توجه مقصود يهدف إلى خلق بيئة غير آمنة للعمل الصحفي مجددة دعوتها للحوثيين بالكف عن الحالة العدائية تجاه الصحافة والصحفيين. ووفق تقارير محلية، تزايدت حالات الانتهاكات بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي، حيث تعرض صحفيون للاعتقال وأغلقت قنوات تلفزيونية خاصة. ووثقت مؤسسة "حرية" للحقوق والحريات والتطوير الإعلامي وهي مؤسسة غير حكومية اثنتين وخمسين حالة "انتهاك" ضد الإعلام المحلي والدولي باليمن خلال الشهر الأول فقط لدخول الحوثيين العاصمة، شملت مؤسسات إعلامية خاصة وحكومية وصحفيين من الجنسين. وإذا ما أضفنا إلى ما سبق تعمد الحوثيين ومليشيات المخلوع صالح التجاهل الفج للقرارات الدولية ومحددات الحوار الوطني المستند إلى المبادرة الخليجية، المدعومة دولياً، يمكننا الزعم أن صبر التحالف العربي الذي تقوده المملكة ومن خلفها المجتمع الدولي قد عيل فعلاً، وأنه بات من الضروري حسم هذا الصراع لصالح الشرعية اليمنية أولاً، من أجل إعادة الأمن والسلام إلى ربوع اليمن، وقطع دابر الشر الذي تدعمه القوى الاستعمارية إلى الأبد.