خطاب الملك سلمان تحت قبة مجلس الشورى أعاد الثقة والاطمئنان للوطن والمواطن، وأجاب عن تساؤلات عالقة عن المستقبل قبل الحاضر، وبررّ توجهات الدولة الحالية نحو كفاءة الإنفاق، ووصفها بأنها مؤلمة في هذه المرحلة، ولكنها لن تطول، وترك لنا بين سطور الكلمة ما يجب علينا أن نفهمه، ونقدره كشعب، فما تراه الدولة في هذا التوقيت يتجاوز الألم إلى علاجه برؤية تسبق الأزمات، وتحول يتكيّف مع المستجدات ويحافظ على الثوابت، وتوقع السيناريوهات المحتملة لما سيكون عليه الحال في منطقة تشهد اضطرابات، وتدخلات، وتنازلات مثيرة، ومخيفة، وتتطلب التحوط لها من كل جانب. الإحساس بألم المواطن في كلمة الملك سلمان تجاوز شفافية التعبير إلى ما هو أهم وأعمق في احتوائه، وتصبيره، وتذكيره بما كانت عليه ظروف الدولة في أوقات متفاوتة، ومع ذلك خرجت من أزماتها وهي أكثر قوة، ومكانة، وتنمية، وهذا النوع من الخطاب الشمولي بين المنطق والعاطفة والواقع يرسم ملامح ثقة أكبر بين القيادة والشعب، وقدرة على التجاوز، وهو ما عبّر عنه صراحة الملك سلمان، قائلاً: "هذه الظروف التي نمرّ بها حالياً ليست أصعب مما سبق، وسنتجاوزها إلى مستقبل أفضل، وغد مشرق بإذن الله ، أقول ذلك وكلي ثقة بالله ثم بأبناء هذا الوطن". هنا يكون القائد الذي يرى في شعبه مصدر قوته، وتمكينه.. وهنا تكون ردة فعل الشعب الذي يرى في قيادته مصدر الثقة، والأمن والاستقرار.. وهنا يكون العقد الاجتماعي بينهما في الرخاء قبل الشدة؛ لحماية الكيان من أي طامع أو حاسد، وتقوية الصف أمام تحديات القادم، والعمل بشراكة الوعي والمسؤولية للنهوض في مهمة المصير الواحد. الملك سلمان في خطابه يتحدث إلى الجميع؛ للخارج قبل الداخل، ويرسم ملامح التحرك الوطني للمواطن قبل المسؤول، ويرعى في التفاصيل ما يجب أن يكون في هذه المرحلة، وليس ما يفترض أن يكون؛ فالتخطيط، والتنظيم، والرقابة، والتوجيه في مهمة أي عمل تنطلق من الواقع، ولا تتجاوزه، أو ترفع معه سقف الطموحات، والأمنيات، والتقليل من الخطر، حتى يتحقق معها ما يراد تجاوزه بلا إحباط أو تأزيم. نعم الوطن يمرّ بمنعطف مهم في مسيرته، ولكن لا نبالغ في التقليل منه، أو تضخيمه إلى حد العجز، وإنما نتكيّف معه، ونقننه، ونفتح باب الفرص واسعاً نحو مسارات عمل جديدة، والبحث عن بدائل تنسجم وطبيعة المرحلة، وظروفها، وهذا ما سارعت إليه الدولة في تقديم رؤيتها 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020، وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة، وجذب الاستثمارات، وتنويع مصادر الدخل، وتهيئة المواطن ليس لقبول الأمر الواقع، ولكن للمشاركة في تجاوز هذا الواقع، وفق أولويات نشدّ معها المحزم إلى الآخر، ونحتوي التفاصيل بكثير من التفاؤل، والمجهود الشخصي في تقدير ما يجب أن يكون بلا مزايدات، أو تراجع، أو تخوف غير مبرر. خطاب الملك سلمان واضح، وشفّاف، ويقرأ الواقع، ولا يتهرب منه، أو يتأخر عنه، وهو من أهم ما يجب أن نثق به، ونسير عليه، ونتحمّل في سبيله ما هو مطلوب؛ لأن المقدرة في أدوات الوصول إلى الهدف ممكن أن تتحقق بزوال الظروف، ولكن القدرة في إظهار قوة التحمّل وإيجاد الحلول أن نعمل في جميع الظروف، وهو التحدي الأكبر الذي نحن فيه اليوم.. وغداً نستذكره حين نعود أقوى وأفضل.