أدرجت «لعبة المزمار» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي -المعنوي- لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والتعليم والثقافة «اليونسكو» (ديسمبر 2016)، وورد تعريفها في موقع اليونسكو بهذا الوصف: «رقصة المزمار تعد من الرقصات التقليديّة في منطقة الحجاز في المملكة العربية السعوديّة، وعادة ما تمارس لإحياء المناسبات العائليّة أو الاحتفالات الوطنيّة. وتجري هذه الرقصة بمشاركة نحو 100 رجل مصطفين في صفين مقابل بعضهما البعض ويصفقون ويرددون أغاني عن البطولة والحب، ويرقص رجلان بالعصي في وسط ساحة الرقص على إيقاع الطبول لفترة محدّدة ثمّ يفسحون المجال لغيرهما وهكذا؛ ويتم تناقل هذه الرقصة في فرق الفنون المسرحيّة ومراكز التراث، وتعدّ هذه الرقصة رمزاً من رموز هويّة المجتمع وجزءا من تاريخه المشترك» (انتهى)، وكان أولى وصف اللباس، والآلات الإيقاعية المصاحبة لأداء لعبة المزمار لاستكمال صورتها بوصفها فنا أدائيا وقوليا وحركيا في آن واحد. فإن اللباس المعهود بحسب رواية الباحثة هند باغفار «الأغاني الشعبية في المملكة العربية السعودية» (1994) يتمثل في «ثوب أبيض واسع من الشاش أو القطن، وعلى الرأس توضع عمامة كبيرة تلف على طاقية نصف دائرية تسمى (الكوفية المطنقرة)، يوضع على الكتف المصنف اليماني أو الحلبي أو الحزام (البقشة) العريض على الوسط» (باغفار، 1994، ص:176) وأما الآلات الإيقاعية، فهي «العلبة (مزهر خشبي) يضرب باليدين، والمرد (دف كبير)، والنقرزان (علبة صفيح مغطاة بالجلد ويضرب عليها بعصاتين)، والصدم (دف مستطيل الشكل)» (باغفار، 1994، ص: 174). ومن تلك الأغاني المصاحبة: «والله يا نايم صح النوم يا نايم صح النوم /وأحمد الله يا نايم واذكر الله الحي الدايم/لا إله إلا الله يا نايم كلنا عبيد الله..». ومن الممكن أن تكون فرصة للكلام عنها باستذكار من مدونات مؤرخينا وباحثي التراث الثقافي المعنوي في بلادنا السعودية. وأعتمد على شهادة للمؤرخ المدني إبراهيم العياشي (1911-1979) الذي وضع تاريخاً محقباً ووصفاً جغرافياً بعنوان «المدينة بين الماضي والحاضر» (1972). وقد تحدَّث فيه عن النشاط الترويحي عند الشباب أو أولاد الحارة -الذين يدعون بالشلاوية والمشاكلة- فيذكر في فصل بعنوان «ملح وطرائف: فصل الذكريات» عن ألعاب شعبية، وهي «القشاع، والمزمار، وكرة التزقير»، وما يهمنا هو لعبة «المزمار» علماً بأن «القشاع» هو بداية هذه اللعبة أيْ «لعبة المزمار» بوصفها عراكاً بالعصي بحسب ملاحظات الباحثة هند باغفار في كتابها. ويصف العياشي اللعبة في تذكره مع الأخذ بالاعتبار الطابع الطقوسي لها التحلّق على شكل دوائر وإشعال النار وضرب الطبل ونفخ المزمار المعبرة عن رمزيات الذكورة في مفاعيلها كالقوة والفحولة والإخضاع والترهيب: «يتواعد بعض السُّوقة من رجال الأعمال غالباً، وقد يشاركهم بعض الأهالي هذا، على اللعب على المزامر، ويخرج من أرد الفرجة، توقد النار على أحطابها، ويتجمع القوم في حلقة وخلفها حلقات، ويضرب الطبل، وينعق المزمار، فيرقص من ينزل إلى الحلبة على نغمات الطبل والمزمار، حول الموقد الملتهب، وهو يلعب بعصاه الشومية، وكأنه يقول: * هل من مبارز؟ فيبرز له آخر، ويتجاولان ويتصاولان بالشومية، لعبة رياضية جميلة أشبه بالسيف والدرقة، لولا ما فيها من تحطيم وإصابات ترجع بالمتبارين وفيهما والدماء، وبعدها يا للثارات يا لطيف، ولله الحمد اليوم لا قشاع ولا مزمار»، وأما «القشاع»، فهو الجزء العنيف في العراك يبدأ بالتحرش -أو جرّ الشَّكَل- برشق الحجارة بين الطرفين لاندلاع العراك حتى هزيمة أحد الطرفين، وغالباً يتكون الأطراف ممثلين لحارات المدينة. إذن، فهي لعبة استعراض «الفتوة» في المجتمع الحجازي، ولكل مجتمع طرق في اللعب، وجمع منها في أحد مجلدات «موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية».