كان يُحدث بيع القصائد الشعرية الكثير من الجدال في الماضي، حيث يصبح الشاعر حديث المجالس ونقاشات الديوانيات، ولم يكن بمقدور أحد أن يؤكد أو ينفي ذلك؛ لأنّ عمليات البيع والشراء تتم في إطار بالغ من السرية، لعلم البائع والمشتري بقبح هذا السلوك، أما اليوم فأصبح الأمر كما يقال «واضح وضوح الشمس في رابعة النهار»، حيث تنتشر إعلانات بيع القصائد في كل زاوية من زوايا الشبكة العنكبوتية. وبدأت تتزايد في الآونة الأخيرة عروض سماسرة الشعر في مواقع التواصل الاجتماعي، عارضين خدماتهم أمام من لا يملك ملكة الشعر لكنه يملك الأهم.. المال! ليصبح شاعراً بين عشية وضحاها، وسال لعابهم لجني أرباح أكثر، خصوصاً بعد انتشار «موضة تأليف الشعر» بين الشباب، فقرروا التوسع في خدماتهم بشكل أكبر. بدأ هؤلاء من الشعراء أول ما بدأوا بإعلانات عن استعدادهم لعمل الزفات أو قصائد الأفراح، والتي لا تنسب لأحد بعينه فهي تقال في العريس والعروس، لذلك لم يكن أحد لينكر إعلاناتهم بهذا الخصوص، ولأن العملية مربحة بشكل كبير ورأس المال فيها أبيات شعر منظومة لم يكن الأمر صعباً على من تمرسوا في صف بيوت الشعر على مختلف البحور، حتى تضخم السوق وزادت المنافسة، وبات هؤلاء يعلنون عن استعدادهم للكتابة في المدح، الغزل، الرثاء.. الخ من أغراض الشعر، وطبعاً المشاعر والكلمات على قدر القيمة. تشويه الأدب وبيّن رئيس اتحاد الخليج الثقافي الشاعر محمد بن يحيى المحيريق أنّ أمواج الشعر في مد مطّرد بعولمة العالم واجتياح رياح التواصل الاجتماعي وزخم القنوات الفضائية الشعبية، وتكاد لا ترى إلاّ أنّ الجميع أصبح شعراء؛ مما سبب ضبابية لدى المتلقي وارتجاج في الذائقة وتشبع عارم، مضيفاً: "وقد كان كل ما ذكر عوامل مساعدة في إيجاد السوق السوداء للشعر والشعراء حتى من أناس لا ناقة لهم ولا جمل في مجال الشعر والأدب، من أجل حب الظهور وكأن هواية الشعر أو شخصية الشاعر أصبحت موضة مثل (الفانشيستا) الإيطالية". ورفض المحيريق بيع الشاعر لأفكاره ومشاعره للغير للتكسب المادي، وكذلك من المشتري الذي يكاد لا يكون في مواجهة الجمهور، كونه لا يتقن قراءة القصيدة ولا التعامل معها، ويقلب الأوزان رأساً على عقب، الأمر الذي ينعكس سلباً على الساحة الشعرية، منوهاً بأنّه يجب على الجهات المعنية مراقبة حسابات بيع الشعر في مواقع التواصل الاجتماعي والتصدي لها؛ لما تسببه من تشويه للحركة الأدبية في المملكة. حق خاص من جانبه قال الشاعر سلطان الهاجري: "من فتح له الله باب رزق فليسترزق، وهذا الأمر ليس بعيب، فلا ضرر أن يبيع الرجل من حلاله ويقضي حاجته، وهذا أفضل له من أن يطلب من أحد مساعدته مالياً أو يقضي حياته في السلف والدين، القصيدة أو بيت الشعر ليس بأغلى وأعز من سيارة الرجل التي يترجل منها ويبيعها إذا احتاج"، معتبراً أنّ بيع القصيدة حق مشروع للشاعر، وهي ملك خاص له يتصرف فيها كيفما يشاء، وليس لأحد الحق في انتقاد ذلك؛ لأنها ملك له ولم يتعدى على حقوق الآخرين. جرم فظيع فيما أكّدت الشاعرة شواهق نجد أنّ للشعر أهمية كونه موهبة اختصها الله للبعض، فلا يليق بالشعر بيعه ولا سوء استخدامه في أغراض مشينة، كالهجاء المقذع، ولا للتفريق بين الجماعات وإثارة الفتن، مضيفةً: "وقد يحتج البعض بحاجة الشاعر للمادة لذا يلجأ لبيع مشاعره بثمن بخس ودراهم معدودة، ولكنه قد يرتكب بهذا الفعل جرماً أشد فظاعة، ألا وهو الزج بالمستشعرين والمستشعرات للساحة التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إلا حب الشهرة والصعود على أكتاف المبدعين، فيفقد الموروث الفخم هيبته ومكانته". بيع المشاعر أما الشاعرة العمانية سارة البريكي فتقول: "نجد أحياناً الشاعر يجبر على بيع قصائده ومشاعره وأحاسيسه لحاجة مادية، يبيعها لمن لا يقدرها ولا يثمنها، فالقصيدة كالبنت يجب رعايتها وصونها، وأنا لا أحبذ هذا الأمر البتة، لأي سبب كان، فهي مشاعر.. كيف نبيع مشاعرنا؟" محمد بن محيريق سلطان الهاجري سارة البريكي