جولة خادم الحرمين الخليجية لكل من الإماراتوقطروالبحرين والكويت تعكس عمق الترابط، والتكامل، والمصير الواحد بين أبناء الخليج، وتزيد من عمق العلاقات الأخوية المتجذّرة تاريخاً وثقافة وهوية مشتركة، وتعزز من مجالات التعاون، والحوار، والاستثمار، كما تعبّر عن حالة فريدة للصف الخليجي المتماسك بقيمه، ومبادئه، وإنسانه؛ لمواجهة التحديات الكبيرة المحيطة به، والطامعة فيه. وتأتي هذه الجولة في توقيت مهم أمام واقع خليجي يتحمّل تبعات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية لحالة الفوضى العربية في أكثر من قطر، وحجم التهديدات الإرهابية المأجورة، والتدخلات الخارجية لتوسع النفوذ وبسط الهيمنة، وزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزرع الفتن الطائفية بين أبنائها. وتوقيت يسبق وصول السلطة الجديدة في الولاياتالمتحدة الأميركية لتسلم مهامها الشهر المقبل، ومواصلة تنفيذ تعهداتها من «كامب ديفيد»، والتعرف على مشروعاتها وتوجهاتها من دول المنطقة، وتحديداً من البرنامج النووي الإيراني، والأزمة السورية، والحرب الدائرة في العراق لمواجهة تنظيم «داعش»، والتحضير المسبق للأجندات والأدوار الخليجية في ذلك. وتوقيت أيضاً يسبق انعقاد القمة العربية في شهر مارس المقبل في العاصمة الأردنية عمّان، وضرورة التحرك الخليجي لصياغة الموقف العربي من تطورات الأحداث في سورية والعراق واليمن وليبيا، والالتزام التام بوحدة الموقف، وتعزيز الأمن والاستقرار، وتغليب المصلحة والمصالحة العربية من أي محاولات اختراق، أو تأزيم، أو مؤثرات خارجية. وتتزامن مع انعقاد القمة الخليجية السابعة والثلاثين في مملكة البحرين غداً، وما يتطلع إليه المواطن الخليجي من قرارات وتوصيات تعزز مسيرته، ونموه، وازدهاره، خاصة في الجانب الاقتصادي بعد إنشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنمية بين الدول الأعضاء، والتهيؤ لمرحلة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل، وزيادة الاستثمارات الخليجية، ومشروعات التكامل للسوق المشتركة، والمالية، والاتحاد النقدي، وسير العمل في مشروعات السكة الحديد، بما يحقق تكتلاً اقتصادياً خليجياً يصل معه إلى أقوى سادس اقتصاد في العالم. الملك سلمان في جولته الخليجية يحظى بثقة، وحفاوة، وتقدير إخوانه قادة دول الخليج، ويرون فيه قائد أمة؛ واضح في خطابه، وواقعي في تحليله، ومستدرك لمسؤولياته، وواعٍ في تقدير مواقفه، وملتزم بمنهجه تجاه وحدة الكلمة والصف والمصير. وقد أظهرت الأحداث وتداعياتها قدرة الملك سلمان على قراءة المشهد من جميع جوانبه، وعزمه مع إخوانه قادة الخليج على التصدي لكل مشروعات الفوضى، والانقسام، والتأزيم، وقطع الطريق على محاولات التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وجرّها إلى مشروع طائفي مرفوض. وتأتي عاصفة الحزم في اليمن العنوان الأبرز ولا تزال أمام رفض المشروع الإيراني، حيث كان التحالف الخليجي والعربي في العاصفة درساً عملياً في المواجهة، ومن دون تأخير، كما جاء تمرين «رعد الشمال» تحالفاً آخر للاستعداد لما هو أسوأ، وتمرين «أمن الخليج العربي» تنسيقاً مشتركاً لتحمّل ما يستجد من أحداث أو تطورات قد تطال الأرض أو الإنسان أو المكتسبات. لقد علّمتنا الأحداث والأزمات أن الخليج العربي قوي بوحدته، وحكمة قيادته، وتلاحم شعبه، وبقي وسيبقى عصياً عن محاولات الطامعين في خيره، أو اختراق صفه، أو تغيير هويته، ومهما كانت التهديدات كبيرة، والتحديات أكبر، إلاّ أن قدر الخليج حكومة وشعباً واحد، ووجودهما مشترك، ولن يتخلّف أحد عن حضوره، أو يتعثّر في وصوله، أو يتخلى عن مسؤولياته مع شقيقه الآخر.