طوال أسبوع كامل وخادم الحرمين الشريفين يتنقل من عاصمة خليجية وأخرى، يحمل معه رسائل الحب للمجتمع الخليجي حكومات وشعوباً، وتقدير الأخوة الصادقة في تمتين الصف الواحد، وتعزيز مسيرة العمل المشترك، والتعاون الوثيق، وهي رسائل تعكس قيم ومواقف ومصير دول الخليج العربي في التلاحم، والتعاضد، وتحمّل تداعيات الأحداث والتطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وضرورة النهوض بمشروع خليجي واحد للمواجهة، والتصدي للأزمات، وقطع الطريق على العابثين، ونفوذ الطامعين، وهي مهمة ليست سهلة، ولكنها ضرورة في توقيت مهم، وحضور أهم في المبادرة، وإدارة المواقف، وتوحيد الخطاب، وتنسيق الجهود. ما وجده الملك سلمان في جولته الخليجية للإمارات وقطر والبحرين والكويت يعكس مكانته، وزعامته، وتقدير مواقفه، ومنهجه، كما تظهر حفاوة الاستقبال من الأشقاء الخليجيين عمق العلاقة، وتاريخية الزيارة، ومظاهر الفرح والسعادة للمجتمع الخليجي، وهم يرون قادتهم في حضور فريد من المحبة والتقدير، وهو ما انعكس على واقعهم كشعوب أخوة متحابين، متكاتفين. الملك سلمان يدرك أن وحدة الصف الخليجي خيار إستراتيجي لا بديل عنه، ورؤيته في مسيرة العمل المشترك -التي أقرها قادة الخليج في قمة الرياض وشددوا عليها في قمة البحرين- لا تنفصل عن تاريخية العلاقة، وحجم تقديرها، ومواقفها الصلبة، وبالتالي أول مظاهر هذه الرؤية تقوية الجبهة الداخلية للمجتمع الخليجي، وإشهار قيمها، والاستمرار على نهج الوحدة، والمصير، وهي محددات تضمن معها القدرة على مواجهة التحديات، والتهديدات، والخروج إليهما في صف واحد قوي متماسك لا يتسلل إليه حاقد، أو طامع، أو يتجاوزه رخيص يساوم أو يزايد في ولائه وانتمائه. والجانب الثاني في رؤية الملك سلمان تعزيز التعاون بين دول الخليج، وإظهار مكانتها، وقوتها على أكثر من صعيد ثنائي أو مشترك، وتحديداً في الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، بما يضمن استقلاليتها، وقدرتها على تحمّل تبعات مواقفها السياسية، ودورها الأقليمي والدولي، حيث لا يمكن أن يكون هناك حراك فاعل على أي ساحة ما لم يكن هناك تعاون يستوعب الاحتياجات، والأولويات، والتقدم معها إلى الأمام بلا خوف أو تردد، وهو ما نراه اليوم في مشروعات خليجية كبرى كان فيها التعاون مثالياً، ومحفزاً، ومتطلعاً إلى ما هو أفضل في المستقبل. والجانب الثالث للرؤية هو الحزم والعزم المشترك في مشروع المواجهة، سواء ضد تحالف الطائفية والإرهاب، أو ضد الدول الداعمة لهما، وتحديداً إيران الطامحة بثورتها وتدخلاتها السافرة للنيل من الجسد الخليجي، أو ما له علاقة بتوجهات ومخططات الدول العظمى تجاه المنطقة، وهو ما يتطلب وعياً مقروناً برؤية وقدرة على التصدي على أكثر من مستوى، فالمواجهة التقليدية ليست خياراً مطروحاً، وإنما التحرّك الدبلوماسي الاستباقي في المواجهة بأقل الخسائر، مع تقوية الخطاب الإعلامي في تعرية المواقف المناهضة لدول الخليج، أو تلك الراغبة في التخلي عنها، كذلك رفع درجة الاستعداد لتوقع ما هو أسوأ، وهو ما حصل في تحالف «رعد الشمال»، وتمرين أمن الخليج العربي. رؤية الملك سلمان تطمع في تحقيق الأمن والاستقرار، وتعزيز السلم العالمي، ودول الخليج جزء من ذلك، ولكن لا يفهم أحد أن الجنوح لذلك دليل ضعف، أو تراجع، وإنما حكمة تفويت على من يريد أن يستنزف المقدرات، ويهدد المنجزات، وإلاّ «عاصفة الحزم» أكبر دليل على أننا نملك أكثر من خيار للمواجهة.