مولع رأفت الميهي "1940-2015" في صناعة الشخصيات واللعب بها معاً. ذلك أكثر من مرة عبر ثنائيات في مشروعه السينمائي، بوصفه مؤلفاً ومخرجاً معاً، فوافق ما أراده في محمود عبدالعزيز "1946-2016" الذي غاب عنا هذا الشهر، ومعالي زايد "1953-2014"، وفي مرحلة لاحقة عبر ماجد المصري وليلى علوي، على التباين الحاد بين المواهب الأربع، حين خيبه كل من عادل إمام ويسرى بعد فيلم "الأفوكاتو" "1984" على أن الممثلة إسعاد يونس حققت لها دوراً لا يمحى من تاريخ السينما الساخرة "مشهد المحاكمة"، ولعل السبب الظاهر سلطة المنتجين على أن الميهي لم يكن يرى لإمام مكانة في أفلامه اللاحقة. وقد حقق الميهي عبر عبدالعزيز وزايد في سلسلة، غير متصلة، مكونة من ثلاثة أفلام: "السادة الرجال" "1987"، و"سمك لبن تمر هندي" "1988"، و"سيداتي آنساتي" "1989"، وفيها طرح الميهي موضوعين من مواضيع سينماه الثلاثة، وهي "التآمر، والجنوسة، والعدم" حيث استطاع بمعونة من مجموعة الفيلم نفسها من تحقيق ذلك حيث يجنح إلى تكسير السرديات الكبرى التي حفلت بها المنتجات الثقافية المختلفة. إذ زرع شخصية "المحامي حسن سبانخ" في "الأفوكاتو" "1984" رامزة إلى "الشخصية التآمرية" في مخرجات كل من السلطتين: السياسية والقضائية، وكسبت بالصفقة القذرة ما أمن لها العيش في المنفى فتتحول إلى نموذج دائم الحضور في أفلامه سواء عبر واسطة الهاتف في "سمك لبن تمر هندي" "1988" أو في ظلالها المتعددة، في "سيداتي آنساتي" "1989" بشخصية محفوظ أفندي –أي: مخلص البحيري- ومنها "تفاحة" "1996" بعلي حسنين –أي: لاعب البيانولا-. وتمثلت لعبة الجنوسة في قلب الأدوار بين الذكر والأنثى، "السادة الرجال" "1987"، وتبديل القوامة في الزواج، "سيداتي آنساتي" "1988"، ونقض الطب البيطري بالبشري، في فيلم "سمك لبن تمر هندي" "1989"، وتبديل الأبوة والبنوة، "ميت فل" "1996"، ونقض العهر بالطهر، "ست الستات" "1998". تدرج حضور عبدالعزيز في تلك الشخصيات الثلاثة، ففي أولها "السادة الرجال" "1987"، الزوج أحمد المصدوم الذي تتكسر كل مفاهيم الذكورة والفحولة عنده لتفضل الرجولة بموازيها الأبوة، وطلبه في النهاية معادلة الأبوة المتحولة بالأمومة البديلة عند زوجته فوزية الصائرة فوزي، فيطلب التحول إلى امرأة ليعيد نصاب الثنائية بين الأم والأب، تضحيةً لتربية الابن، والتخلي عن فساد مفاهيم الفحولة والذكورة المانحة له بعض التسلطات الاجتماعية والاقتصادية امتهاوية في لحظة قلب الأدوار. وفي الثاني "سمك لبن تمر هندي" "1988" تتمظهر شخصية الطبيب البيطري أحمد سبانخ، الذي سيتحول بنفسه هو وزوجته قدارة "معالي زايد" إلى جملة من العينات المرضية مثل مرضاهم الحيوانات وإنما عينات مسخرة لتجارب مختبر مستشفى الشرطة الدولية INTERPOL، وأحكم الميهي الحبكة في جعل موضوعة التآمر تظهر بصورة "الإرهاب" التي جعلت بحسب ذهنية التآمر الجميع متهماً حتى في مماته!. وفي الثالث "سيداتي آنساتي" "1989" يركب الميهي الشخصيات من عناصر متنافرة، فوضع شخصية محمود عبد البديع – الشهير ب ما علينا- الحاصل على الدكتوراه في الفيزياء الطبيعية ساعيا في مصنع، بسبب الشك في الشهادة، وفي الزواج تخلى طوعاً عن العصمة، في زواجه بالأربعة، حيث تبدلت الأدوار جملة بين زوج لا يملك من الزواج سوى اسمه بينما ذهبت كل الحقوق –بمبالغة مقصودة- إلى الزوجات دفعة واحدة، وتتمظهر السخرية في تلك الألقاب التي زفها إليهن ليلة الدخلة، فتحولت درية "معالي زايد" مديرة الشؤون القانونية إلى "قرني"، والطبيبة آمال "عبلة كامل" إلى "سنوفة"، وعزيزة "صفاء السبع"إلى "سوسة"، وكريمة "عائشة الكيلاني" مسؤولة شؤون الموظفين إلى "جريمة". وتهاوت تلك الأدوار إلى الانكسار حين طلقتاه اثنتان منهما للزواج عليه من مدير المصنع "يوسف داوود"، ومن ثم الطرد للاثنين. إنها لعبة النقيض، برع في رسمها الميهي، ولولا عبدالعزيز ما تجسدت بطولة النقيض!.