أصبح رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة في 14 ديسمبر القادم شبه مؤكد أو على أبعد تقدير بمباشرة حكومة ترامب مهامها في 20 يناير 2017م مع تصاعد معدل التضخم، ما سيؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات المرتبطة به مباشرة أو غير مباشرة من خلال أي سلة عملات يمثل الدولار الجزء الأعظم منها وذلك مقابل العملات الأخرى والذهب وأسعار النفط المقومة في الدولار. كما أن ارتفاع سعر العملة في تلك البلدان يؤدي الى ارتفاع تكاليف صادراتها مقابل وارداتها بما لا يدعم النمو الاقتصادي. وفي هذا الإطار أكد محافظ "ساما" في 15 نوفمبر 2016م، استمرارية ربط الريال بالدولار وبدون تغيير سعره. رغم أن الدولار سوف يستمر في ارتفاعه بأسرع من ما هو متوقع، مما قد يترتب عليه تزايد وتيرة المضاربات بالريال في الأجل القصير من خارج السوق السعودي، مما يؤكد على أهمية الاستمرارية في ربط الريال بالدولار وضمان استقراره. فهناك عدد من المؤشرات الاقتصادية التي تدعم سياسة رفع الفائدة الفدرالية ومنها ارتفاع معدل التضخم الاساسي (Core Inflation) إلى 2.2% على أساس سنوي في 12 شهراً المنتهية في أكتوبر والذي يقيس التغيرات في أسعار سلة من السلع الاستهلاكية على المدى الطويل باستثناء أسعار الأغذية والطاقة المتقلبة، بعد ان تجاوز 2% وهو السقف الفيدرالي. كما ان عزم الحكومة الجديدة على تبني سياسات مالية توسعية تشمل تعهد الترامب والجمهوريين سابقاً بإنفاق مبلغ 500 مليار إلى واحد تريليون دولار على النية التحتية مع تمويل العجز وخفض الضرائب، يدعم التضخم الذي أخذ مساراً تصاعدياً منذ أشهر مضت. فقد ارتفع مؤشر الدولار "The ICE Dollar Index" الذي يقيس قيمة الدولار مقابل سلة موزونة من العملات (اليورو/57.6%، الين/13.6%، الجنيه الأسترليني/11.9%، الدولار الكندي/9.1%، الكرونا السويدي/4.2%، الفرنك السويسري/3.6%) إلى 100.57 الأسبوع الماضي والأعلى منذ أبريل 2003م، بدعم من ارتفاع عائدات السندات الأميركية وتوقعات أعلى من الحوافز الضريبية تحت الرئاسة القادمة. وقد أوضحت حركة "مستقبل الصناديق الفيدرالية الآجلة" الذي يستخدم لمعرفة اتجاه سياسة الاحتياطي المركزي في يوم الأربعاء الماضي، بأن المستثمرين يتوقعون رفع سعر الفائدة بنسبة %90.6 في ديسمبر. هكذا يعتقد المستثمرون أن تسريع وتيرة النمو سوف تشعل التضخم، مما سيدفع البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع معدلات الفائدة بوتيرة أسرع في العام المقبل. وبهذا من المتوقع استمرار ارتفاع العائدات الأميركية على السندات التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ يناير في يوم الاثنين ما قبل الماضي الى 2.28% على السندات المستحقة بعد عشرة أعوام و3% بعد 30 عاماً. وهذا سوف يجذب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة مع تحول المستثمرين من العملات المحفوفة بالمخاطر نسبياً في تلك الأسواق إلى أذون الخزينة الاميركية ما سيضر بعملاتها. كما ان السياسات الحمائية التي يدعمها ترامب يمكن ايضا أن تضر باقتصاديات البلدان التي تصدر بشكل كبير للولايات المتحدة. لكن ارتفاع معدلات الفائدة يجعل المصارف الاميركية تحقق أرباحاً أكبر من عمليات الإقراض ويجعل السندات أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن دخل مرتبط بارتفاع قيمة الدولار، مما دفع الشركات المالية الكبيرة إلى بيع أسهم الشركات التي توزع أرباحاً كبيرة مثل المرافق وشركات الاتصالات. وهذا قد ينتج عنه أثر "الدومينو" عندما يتخلص المستثمرون من الأصول ضعيفة الخطورة أولاً، ثم الانتقال إلى الأضعف. وإذا ما كان رفع البنك الاحتياطي لأسعار الفائدة تدريجياً سوف يخفف من المخاطر المرتبطة بانتقال الاقتصاد من بيئته الحالية إلى بيئة يرتفع فيها سعر الفائدة، بدلاً من ارتفاع سعر الفائدة بوتيرة أسرع يؤثر سلبياً على الاقتصاديات المرتبطة عملتها بالدولار. ورغم تلك السلبيات إلا أن ربط الريال بالدولار مازال ضرورياً للمحافظة على استقرار النظام المالي وتحفيز النمو الاقتصادي السعودي على المدى الطويل.