كانت الناس سابقاً تتعلل لمشاكلها وتصرفاتها بدعوى الإصابة بالعين الحسودة، حتى أصبح هذا الأمر شماعة لكل أنواع الكسل والفشل والتقاعس عن الواجبات، وكانت الناس تصدق أصحاب الادعاء سواء كانوا صادقين أو متوهمين أو حتى الكاذبين، لأن الإصابة بالعين حق ولا شك، وصاحب المصيبة لا ينبغي التشدد معه بالسؤال والاستفسار أو التحقيق. والآن ولأن الزمن تغير وتطورت الأمور صار لزاماً على أصحاب الأعذار والمدعين أن يبحثوا عن شماعة جديدة، والحقيقة أن دعوى الاكتئاب أصبحت من الدعاوى الرائجة لكل من يبحث عن العذر وطلب التعاطف من الناس، يكفيك فقط أن تذهب إلى عيادة نفسية وتحكي لطبيبك النفسي توصيفاً لحالك ومزاجك من نسج خيالك وأن تلبس أمامه مواصفات الإنسان الكئيب، ليصنف حالتك بالاكتئاب ويصف لك دواء وربما طلب لك إجازة مرضية، لكي تمتلك صك العتق من المسؤوليات والعتق من اللوم أو العتب من كل تقصير، أصبحت هذه الحيلة رائجة عندنا لكسب تعاطف الناس، خصوصاً لدى الشابات الصغيرات اللاتي عصفت بهن مشاكل العصر من فراغ قاتل وانشغال بالتوافه وتعلق بالتواصل الاجتماعي الإلكتروني واللحاق المحموم واللهاث خلف الموضة والتسوق الافتراضي عبر النت، وانقلاب الليل معاشاً والنهار سباتاً، فأصبحت إحداهن تجيد فن البكائيات والدعاوى والضغط الاجتماعي والأسري، وقائمة تطول ولا تقصر. فالبكائية مرض حقيقي من امراض النفس التي لا ينبغي التساهل في توصيفها أو الباسها اي حالة من حالات المزاج او الكدر النفسي التي تحل على الانسان حينا من الدهر ثم تنجلي، فليس الاكتئاب أعاذنا الله واياكم بمثل هذا العرض البسيط بل هو اعقد بكثير من ذلك، ومن ابتلاه الله بمثل هذا المرض فهو قد دخل في دائرة أعانه الله على الخروج منها، فلا تمارضوا فتمرضوا ولا تتمنوا البلاء فيحل عليكم المرض.. ومن كان في عافية فليحمد الله.. وعلى دروب الخير نلتقي.