النقد المجتمعي تجاه القضايا والقرارات والتوجهات حق مشروع لكل مواطن؛ بتوافر الموضوعية في التعبير، والدقة في النقل، والمصداقية في المصدر، وقبل ذلك الوعي في تقدير المصلحة الوطنية، وتوقيتها، وتحديد أولوياتها، إلى جانب تعميق مسؤولية التعاطي مع الأحداث والأزمات بكثير من الحكمة والتعقّل، وأكثر من ذلك بمزيد من العمل المشترك نحو تجاوز العقبات والتحديات المجتمعية. الواقع اليوم أن النقد تحول إلى حالة تنفيس مجتمعي مثير ومأزوم إلى حد السخرية والانتقاد الشخصي، رغم وجود أسبابه، ومبرراته، ولكن لا تصل إلى كل هذا الضجيج، والانفعال.. صحيح هناك من خانه التعبير، وآخر تجاوز وبالغ في التقدير، ومن حق الرأي الآخر أن يصل صوته، ويُصغى إليه، ويشارك في رؤيته، ويتحمّل مسؤولية ما يقول أخلاقياً وقانونياً، ولكن من دون إساءة أو تجاوز، أو حتى خروج يفقدنا الثقة فيما نملكه ونتمسك به، خاصة ونحن في أمسّ الحاجة إلى جبهة داخلية قوية ومتماسكة في هذا الظرف الدقيق من التطورات الأمنية والسياسية والعسكرية المحيطة بنا، وأن نكون شركاء في هذا الوطن، ونحافظ على مشروع وحدته التي هي أساس وجودنا بعد الله، وأغلى ما نملك في التصدي لما هو أسوأ لا قدر الله. نحن على ثقة من أن المواطن كلما زاد طموحه زاد نقده، وهو مؤشر صحي على تفاعله، ووعيه، وإخلاصه، ولا ينقص منه شيء، أو يزايد عليه أحد في حبه لوطنه، وخوفه عليه، أو يساور غيره شك في صدق ولائه وانتمائه، وهذه حقيقة عشناها وألفناها وتعاهدنا عليها جميعاً من أن الوطن خط أحمر مهما كانت المبررات، أو التجاوزات، أو الأخطاء التي لا تغتفر أحياناً. نعم أعلنّا عن رؤيتنا 2030، وبرنامج التحول الوطني 2020، وقلنا في أكثر من مناسبة وحدث؛ أن التحول في الأرقام والتوجهات والسياسات لا يكفي من دون تحول في المفاهيم المجتمعية التي هي حجر الزاوية في تقبّل فكرة التغيير، والانفتاح عليه بشفافية بحسب متطلبات المرحلة، خاصة في الشق الاقتصادي، وتحديداً من تنويع مصادر الدخل، وكفاءة الإنفاق، والتخلي عن الرعوية إلى دولة الإنتاج، وهي مفاهيم متقدمة على مجتمع اعتاد منذ ثمانية عقود وأكثر على مصدر واحد للدخل، وعلى تنمية مترفة إلى حد ما، ورعاية شبه كاملة من الدولة لكل شؤون المواطن، ومنها دعم السلع والخدمات الأساسية، وتقديمها بأسعار زهيدة، ما ساعد على مظاهر البذخ والإسراف، وتكوين حالة من الاعتمادية على ما تقدمه الدولة، وليس على ما ينتجه الفرد، وبالتالي حين يكون التغيير محسوماً تكون مقاومته إلى حد الانتقاد القاسي، والموجع، والساخر أيضاً، رغم أن ذلك لا يغيّر من جوهر التوجه، أو يقلل من قيمة الرؤية، أو برنامج التحول الوطني؛ لأن ما سنحصده مستقبلاً أفضل وأكبر مما نختلف عليه الآن بين رأي وآخر. المواطن في هذه المرحلة بحاجة إلى احتواء خاص يزيد من ثقته، ويؤكد على دوره، وقيمته، ومكانته، ويكون الخطاب معه على أنه أكثر وعياً وإدراكاً وتفاعلاً مع همومه وقضاياه، ومكاشفته بكل ما يجري وسيجري في هذه المرحلة بكل شفافية ووضوح؛ لنقطع الطريق على من يستفزه بالشائعات، أو يحبطه بواقع لا نريد أن ينفصل عنه، أو يتذمر منه!.